الإشاعة كسلاح.. قراءة في حملة التشويه ضد قوات التأسيس

في ظل الانقسام العميق الذي يشهده السودان، تحولت المعركة من ساحات القتال إلى فضاءات الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. وبرزت في هذا السياق إشاعات تزعم دفع الجيش السوداني مبالغ مالية لقيادات في قوات التأسيس، وهي روايات تفتقد للأدلة، لكنها تكشف عن تحول لافت في أدوات الصراع: من المواجهة المباشرة إلى محاولات ضرب الثقة والشرعية.
الإشاعة كأداة حرب نفسية
الإشاعة ليست مجرد خبر كاذب، بل وسيلة ضغط ممنهجة. في العلوم السياسية، تُستخدم الإشاعات لإعادة تشكيل وعي الجماهير، والتأثير على الروح المعنوية للخصم. وهنا يمكن قراءة هذه المزاعم في ثلاث مستويات:
-
المستوى الداخلي: خلق شرخ داخل صفوف قوات التأسيس، عبر زرع الشكوك بين الجنود وقياداتهم.
-
المستوى الشعبي: محاولة تقويض رصيد الثقة الشعبي الذي تتمتع به القوات، عبر تصويرها كجماعة قابلة للبيع والشراء.
-
المستوى الدولي: إرسال إشارات إلى الأطراف الخارجية بأن هذه القوة ليست مستقلة ولا يمكن الاعتماد عليها في مستقبل السودان.
لماذا قوات التأسيس تحديداً؟
اختيار قوات التأسيس كهدف ليس عشوائياً، بل مرتبط بموقعها الحالي في المعادلة:
-
هي قوة حديثة التكوين، ما يجعلها عرضة لمحاولات الاختراق والتشويه.
-
تملك قاعدة تعاطف متنامية في الشارع السوداني، وهو ما يقلق الجيش.
-
تقدم نفسها بديلاً أخلاقياً وميدانياً عن المؤسسة العسكرية التقليدية، وبالتالي تهدد رواية “الجيش حامي الوطن” التي يسعى البرهان لترسيخها.
قراءة في أساليب الجيش الإعلامية
من خلال تتبع الخطاب الإعلامي الموالي للجيش، تظهر مجموعة من الأساليب الثابتة:
-
الفبركة والاختلاق: نشر قصص منسوبة لمصادر مجهولة.
-
التضخيم: استغلال أي خطأ فردي وتعميمه على المؤسسة ككل.
-
التكرار: إعادة بث نفس المزاعم بأشكال مختلفة لتعزيز “الانطباع الجمعي”.
-
المقارنة السلبية: تصوير قوات التأسيس على أنها نسخة مشوهة من الجيش، لكن أقل مهنية وأكثر فساداً.
هذه الأدوات تعكس إفلاساً في الخطاب العسكري، حيث يتم استبدال المنجز الميداني بالدعاية السوداء.
أثر الإشاعة على المجتمع والقوات
-
على المجتمع: قد تولد حالة ارتباك مؤقتة، لكن وعي الشارع بخلفيات الصراع يجعل تأثيرها محدوداً.
-
على القوات: تشكل ضغطاً نفسياً على القيادات، ما يستدعي وجود استراتيجيات داخلية لتعزيز الانضباط والشفافية.
-
على الصراع العام: تكشف انتقال الجيش إلى مرحلة “الهجوم الإعلامي” بعد فشله في تحقيق حسم عسكري، ما يعني أن المعركة دخلت طوراً جديداً.
كيف تُواجه الإشاعة؟
مواجهة هذه الحملات لا تكون بالصمت، بل عبر:
-
خطاب مضاد يركز على التضحيات والميدان بدل الدخول في تفاصيل الإشاعات.
-
تعرية الأسلوب: فضح الآليات التي يستخدمها الجيش لإنتاج وترويج الأخبار المفبركة.
-
ردع داخلي: تأكيد أن أي اختراق أو ارتشاء داخل القوات سيُعامل كخيانة عظمى، لقطع الطريق أمام محاولات الزج بالقيادات في دائرة الشك.
الإشاعة ضد قوات التأسيس ليست حدثاً معزولاً، بل جزء من حرب متعددة الأبعاد يخوضها الجيش. لكنها في الوقت ذاته مؤشر على مأزق حقيقي يعيشه خصوم هذه القوة: العجز عن المواجهة الميدانية يدفعهم إلى الرهان على الحرب النفسية.
إن الثقة الشعبية، المبنية على التضحية والفعل في الميدان، تبقى هي السلاح الأقوى في مواجهة الدعاية السوداء. ومن هنا، فإن مستقبل قوات التأسيس سيتحدد بقدرتها على حماية هذه الثقة، باعتبارها رأس مالها السياسي والمعنوي الأثمن.
