الإخوان يمنعون البرهان من الدخول في أي وساطات لحل أزمة السودان
تُسابِق الكيزان الوقت لفرض نفسها لاعباً أساسياً في الساحة السياسية عقب انتهاء الحرب السودانية الراهنة، وذلك بعد أن رشحت تسريبات مُتطابقة عن لقاء مُرتقب بالعاصمة المصرية القاهرة، بين ممثلٍ للجيش ونظير له من قوات الدعم السريع، وثالث من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدُّم،” يُرجَّحْ أن يكون رئيسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الذي زار القاهرة مؤخراً وأجرى مشاورات واسعة مع قادة الأحزاب السودانية التي تتخذ معظمها من القاهرة مقراً لها، كما التقى الأمين العام لجامعة الدول العربية ومثقفين وصُنّاع رأي مصريين، ضمن جهوده الرامية لوقف الحرب، والشروع في عملية سياسية توافقية لا تستثني أحداً، عدا حزب المؤتمر الوطني الإخواني المعزول.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل العام المنصرم، أبدت الجماعة مواقف داعمة لقيادة الجيش، أملاً في العودة إلى السلطة على ظهره مرة أخرى، كما فعلت عام 1989.
إلا أنّ مراقبين يرون الظروف الراهنة شديدة الاختلاف عمّا كانت عليه قبل أكثر من (3) عقود، وأنّ جماعة الإخوان بمختلف واجهاتها السياسية، مثل: “الجبهة الإسلامية القومية، والحركة الإسلامية، وحزب المؤتمر الوطني، وحزب المؤتمر الشعبي، وحزب الإصلاح الآن، وحركة العدل والمساواة”، وواجهاتها العسكرية (الميليشيات) مثل: “الدفاع الشعبي، الأمن الشعبي، الاحتياطي المركزي، الشرطة الشعبية، البراء بن مالك، قوات العمل الخاص، المقاومة الشعبية”، أصبحت محل رفض من طيفٍ واسعٍ من السودانيين الذين يرون أنّها السبب الرئيس في ما يحدث بالبلاد الآن من اقتتال، وأنّها هي من دبرت الحرب وتديرها الآن، وتتقدم على الجيش الذي تبنت قيادته خطابها السياسي وخطها الإعلامي.
أسافين الإخوان
الجماعة لا ترغب في أيّ تقارب بين الجيش وقوات الدعم السريع. أو بينهما وبين القوى السياسية المدنية ممثلة في الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات .والقوى الثورية ممثلة للجان المقاومة، فقد عمدت الجماعة المسمّاة في السودان بـ (الكيزان) .إلى وضع العصي في دولاب أيّ مفاوضات سلام محتملة بين الطرفين المتحاربين. ودقّ الأسافين بين الجيش والقوى السياسية المدنية بإشاعة أنّها تعمل كظهير سياسي لقوات الدعم السريع، خصوصاً تنسيقة “تقدُّم” التي يرأسها عبد الله حمدوك.
ويعتقد محللون أنّ الجماعة إنّما تفعل ذلك لإبعاد قيادة الجيش عن أيّ تسوية سياسية ربما تنجم عن أيّ مفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع. لأنّها بالضرورة سوف تستبعدها عن الخارطة السياسية المستقبلية. باعتبارها جماعة انقلابية لا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة ولا بالديمقراطية. كما أنّها جماعة مسلحة تمتلك كتائب وميليشيات معلنة تشارك في الحرب الراهنة. بل هي المُتهم الأول بإشعال الحرب بالنسبة إلى معظم المراقبين.
سرقة معلنة
وفي السياق، شرعت الجماعة في مصادرة التقدّم العسكري الأخير .للجيش على حساب قوات الدعم السريع في مسرح العمليات القتالية في مدينة أم درمان إحدى المدن الـ 3 المُكوِّنة للعاصمة السودانية، حيث أظهرت مقاطع فيديو التُقطِت في مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون السودانية. وقال الجيش إنّه استرد المبنى من قوات الدعم السريع التي فرضت سيطرتها عليه لنحو عام كامل، أظهرت قادة ميليشيات الإخوان. وعلى رأسهم قائد ميليشيا البراء بن مالك، المصباح أبو زيد. وبعض رموز الميليشيات الأخرى؛ يحتفلون بما سمّوه النصر المؤزر على العدو من داخل مبنى الهيئة، ممّا عدّه مراقبون سرقة معلنة للمجهود العسكري للجيش الذي خطط ونفذ عملية السيطرة على الجهاز الإعلامي المهم. للإيعاز بأنّ مقاتلي الجماعة لهم اليد الطولى في ميادين القتال. وإظهار الجيش كمؤسسة ضعيفة ومفككة ليس لديها القدرة على ربح معركة أو تحقيق انتصار لولا مساندة ودعم ميليشيات الإخوان.
وكان القيادي البارز بالجماعة وزير الدولة السابق بوزارة الثقافة .والإعلام والمستشار الصحفي السابق للرئيس المخلوع عمر البشير، أكثر من عبّر بوضوح عن حلم (الكيزان) بالعودة إلى السلطة. فقد كتب في صفحته على (فيسبوك) .محتفلاً باستعادة السيطرة على الإذاعة والتلفزيون: “أولادنا هم من يحاربون ويستشهدون الآن، ونحن عائدون شاء من شاء وأبى من أبى”. وعبارة “أولادنا” تعني ميليشياتنا بطبيعة الحال، ممّا يعني أنّ الرجل يقلل من شأن الجيش، ويعتبره لا يقوم بواجبه ولا يحارب. وبالتالي لا يقدّم شهداء في الحرب الدائرة.
ضغط على الجيش
لكنّ مقربين من الجماعة اعتبروا أنّ تصريحات قادتها الأخيرة. بما في ذلك أمين حسن عمر، ما هي إلا محاولة للضغط على قيادة الجيش بالامتناع عن الذهاب إلى القاهرة لمقابلة ممثل قوات الدعم السريع الذي تُرجح التسريبات بأنّه سيكون القائد الثاني للقوات. عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي)، وممثل القوى المدنية عبد الله حمدوك، أو على الأقل استصحاب ممثل الجيش .الذي رشح بحسب التسريبات أنّه سيكون نائب قائده الفريق أول شمس الدين الكباشي (المقرب من الإخوان). لرؤية الجماعة السياسية لمرحلة ما بعد الحرب، والتي تتبنّى سردية عدم استثناء أيّ كيان أو أيّ حزب سياسي منها. بما في ذلك عودة (المؤتمر الوطني) إلى ممارسة النشاط السياسي. والسماح له بالمشاركة في المرحلة الانتقالية وخوض الانتخابات التي تعقبها.
وتحاول الجماعة استغلال الأوضاع الأمنية والسياسية .والاقتصادية شديدة الهشاشة لتمرير خطابها السياسي المبني على أنّها الحزب الوحيد .الذي قاتل بجانب الجيش كتفاً بكتف، ودافع عن الوطن. وقدّم في سبيل ذلك شبابه “أولادنا” بعبارة أمين عمر، شهداء من أجل السودان. فيما روجت الدعاية الإعلامية للكيزان سردية أنّ القوى الحزبية والمدنية وعلى رأسها “تقدّم” ما هي إلّا الذراع السياسية لقوات الدعم السريع (المتمردة). وما قادتها إلا محض عملاء للخارج لا يمتلكون ما يكفي من الإرادة السياسية المستقلة التي تؤهلهم لقيادة البلاد وإدارة المرحلة القادمة.