الإخوان والكذب المقدس.. من فتاوى الضرورة إلى عقيدة حكم في السودان

اتهم الكاتب السوداني خالد أبو أحمد الحركة الإسلاموية “الإخوان” في السودان بجعل الكذب جزءًا من بنيتها الفكرية والسياسية، مؤكدًا أنّه لم يعد مجرد وسيلة ظرفية بل تحوّل إلى “عقيدة سياسية” تُدار بها الدولة والإعلام والاقتصاد وحتى الطقوس الدينية.
وقال أبو أحمد في مقالة له نشرها عبر صحيفة (إدراك): إنّ التجربة الإسلاموية منذ وصولها إلى الحكم اعتمدت على “فقه الضرورة” لتبرير الكذب، لكنّه سرعان ما أصبح منهجًا ثابتًا وممارسة يومية، مشيرًا إلى أنّ الإعلام الرسمي كان يصنع إنجازات وهمية عن الاكتفاء الذاتي الزراعي، بينما كان المزارعون يواجهون الفشل والجفاف.
وأشار الكاتب إلى اعترافات نادرة لبعض رموز الحركة، مثل الصحفي الإخواني إسحاق أحمد فضل الله، الذي أقرّ علنًا بأنّه يتعمّد الكذب في مقالاته باعتباره “قتالاً معنويًا”، وهو ما اعتبره أبو أحمد دليلًا على أنّ الكذب كان أداة ممنهجة، وليست مجرد أخطاء إعلامية.
وأضاف أنّ هذه الذهنية انعكست في أحداث كبرى مثل مجزرة القيادة العامة في حزيران (يونيو) 2019، حين حاولت الدعاية الرسمية إنكار الحقائق الموثقة بالصور والفيديو، وادعاء أنّ “مندسين” أو المعتصمين أنفسهم وراء الجريمة. واستشهد بحادثة القيادي إبراهيم غندور، الذي أنكر تصريحات موثقة بالصوت والصورة عن “الانتفاضة المعاكسة”، قبل أن يفضحه مقطع الفيديو علنًا.
ولفت أبو أحمد إلى أنّ النظام لم يتردد حتى في اختلاق قصص عن “شهداء” وهميين واستخدام دموع الجماهير كوقود للدعاية، معتبرًا ذلك “انهيارًا أخلاقيًا جعل من الموت نفسه مادة للكذب السياسي”.
وأكد أنّ كذب الاخوان شمل أيضًا الاقتصاد، فقد تحولت وعود “نهضة مشروع الجزيرة” إلى سراب، بينما عاش المواطنون أزمات الخبز والوقود وتدهور الجنيه السوداني، في وقت كان فيه الإعلام يحتفي بإنجازات ورقية.
وخلص الكاتب إلى أنّ سقوط المشروع الإسلاموي لم يكن فقط نتيجة للفشل الاقتصادي والسياسي، بل لأنّه قام على أساس “مزوّر”، قائلًا: “حين يُصبح الكذب هو الأساس، فإنّ أيّ بناء فوقه سيكون هشًا، ينهار عند أول اختبار”.
وأضاف أنّ الإسلامويين في السودان لم يكذبوا على الشعب فقط، بل كذبوا حتى على أنفسهم، مستشهدًا بمقولة الدكتور حيدر إبراهيم علي: “الجبهة الإسلامية لم تكذب فقط على الشعب، بل كذبت حتى على نفسها فأهلكت مشروعها بيدها”.
واختتم أبو أحمد مقالته بالقول: إنّ ما يُسمّى بـ “فقه الضرورة” انتهى إلى سقوط كامل للمنظومة الأخلاقية للحركة الإخوانية، مؤكدًا أنّ المشروع الإسلاموي في السودان بدأ بكذبة كبرى، وانتهى بكذبة أكبر لم يصمد أمامها التاريخ ولا الواقع.
