الإخوان والجيش.. تحالف مصلحي يهدد فرص إنهاء الحرب السودانية

يرى مراقبون ومحللون سياسيون أنّ الارتباط العميق بين قيادة الجيش السوداني وتنظيم الإخوان المسلمين هو العائق الرئيسي أمام إنهاء الحرب المدمرة في البلاد، حيث يُتهم هذا التحالف بإفشال ما لا يقلّ عن ( (10مبادرات سلام إقليمية ودولية.
ويُحذّر هؤلاء من أنّ سماح الجيش لكتائب إسلامية متطرفة بالقتال في صفوفه وارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لا يطيل أمد الصراع فحسب، بل يلحق ضرراً دائماً بسمعة المؤسسة العسكرية ويهدد مستقبل السودان.
وفقاً لمراقبين نقلت عنهم شبكة (سكاي نيوز)، فإنّ سيطرة تيار الإخوان على مراكز القرار العسكري وإصرارهم على الحسم العسكري هو السبب المباشر في فشل كافة جهود الوساطة. ويتجلى هذا النفوذ في تحدي قادة الميليشيات المساندة للجيش للقيادة العسكرية الرسمية. ففي واقعة ذات دلالة حذّر نائب قائد الجيش، الفريق شمس الدين الكباشي، من استخدام الشعارات السياسية في المعسكرات، لكنّ قائد “كتيبة البراء بن مالك”، المصباح طلحة، ردّ بعد ساعات بتحدٍّ قائلاً لمقاتليه: “ليس لأحد قولٌ علينا”.
ويعتبر المحلل السياسي محمد المختار محمد أنّ تصدّر الكتائب المتطرفة للمشهد العسكري يمثل “حقلاً من الألغام” وضع الجيش فيه، مشيراً إلى أنّ “مطامع العودة إلى السلطة تدفع تنظيم الإخوان للمضي في نهجه المتهور الذي أشعل الحرب، وهو يسعى الآن لتعقيد الأزمة أكثر”.
التبعات الخطيرة لهذا التحالف لا تقتصر على الجانب السياسي، بل تمتد إلى انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، وهو ما يضع الجيش في موضع المسؤولية المباشرة.
منظمة (هيومن رايتس ووتش) وثقت في شباط (فبراير) الماضي ارتكاب قوات تابعة للجيش، منها “درع السودان” و”كتيبة البراء بن مالك”، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ولاية الجزيرة، شملت هجمات ممنهجة ضد قرى “الكنابي” وتصفيات في مدينة ود مدني أودت بحياة (180) شخصاً.
وأكدت الأمم المتحدة في نيسان (أبريل) وجود أدلة على عمليات قتل خارج نطاق القانون في مناطق جنوب وشرق الخرطوم بعد سيطرة الجيش عليها، استهدفت مدنيين على أساس جهوي وأعضاء في لجان المقاومة ومشرفين على المطابخ الخيرية.
وفي هذا السياق، يبدي الأمين العام لـ “تضامن الضباط المتقاعدين” الضابط المتقاعد محمد نور، مخاوفه من أنّ “أيّ انتهاكات ترتكبها المجموعات المتحالفة مع الجيش تقع تحت مسؤوليته”، لأنّ الجيش هو من يمسك بزمام القيادة والسيطرة.
ويعيد محمد نور التفلت الحالي إلى سياسة “التمكين” التي اتبعها تنظيم الإخوان منذ استيلائه على السلطة عام 1989، ويوضح أنّ التنظيم عمل بشكل ممنهج على تفكيك مهنية القوات المسلحة عبر: تسريح الضباط المهنيين، وإبعاد أعداد كبيرة من الضباط غير الموالين للتنظيم، وإنشاء ميليشيات عقائدية، عبر تأسيس كيانات موازية مثل “الدفاع الشعبي” لضمان الولاء الإيديولوجي.
ويشير نور إلى أنّ العديد من الضباط حذّروا مبكراً من مخاطر “أدلجة الجيش”، لكن لم يتم الاستماع إليهم، حتى وصلت المؤسسة العسكرية إلى وضعها الحالي.
ويقدّم الأستاذ الجامعي خالد كودي قراءة أعمق، معتبراً أنّ سلوك قيادة الجيش لا يمكن فهمه بمعزل عن “إيديولوجيته المتحالفة مع الإخوان”. ويرى أنّ هذا التحالف يسعى إلى إعادة هندسة السودان على أسس فاشية دينية وعسكرية متطرفة، وتحويل الجيش إلى مؤسسة إيديولوجية لا تكتفي بفرض النظام بالقوة، بل تعيد هندسة المجتمع نفسه استناداً إلى رؤية دينية-عرقية مغلقة.
ويخلص كودي إلى أنّ الحرب الحالية أعادت إنتاج هذا التحالف في “نسخة أكثر توحشاً”، حيث عادت الأجنحة المسلحة للإخوان لتشكل ذراعاً تعبوياً وعقابياً للجيش، وهو ما ينذر بمستقبل قاتم للبلاد.
وتؤكد تصريحات قادة الحركات الإسلامية أنّ هدفهم يتجاوز الانتصار في الحرب إلى الهيمنة الكاملة على السلطة. فقد صرّح القيادي عبد الحي يوسف بأنّ شباب الحركة الإسلامية الذين يقاتلون مع الجيش “أحق بالسلطة” بعد انتهاء القتال.
