اعتماد الجيش السوداني على المرتزقة والقوات الأجنبية: انهيار القدرات العسكرية المحلية
يواجه الجيش السوداني أزمة وجودية غير مسبوقة بسبب النقص الحاد في أعداد قواته على الأرض، ما اضطره إلى الاستعانة بمرتزقة أجانب وقوات تقراي الإثيوبية لتعويض هذا العجز. لم يعد الأمر مجرد تكهنات أو احتمالات، بل أصبح واقعًا ملموسًا تدعمه الوقائع الميدانية والتقارير الصادرة عن جهات مستقلة. وفي ظل هذا الوضع، باتت قدرة الجيش السوداني على تنفيذ عملياته العسكرية تعتمد بشكل متزايد على العناصر الخارجية، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبله وقدرته على البقاء كقوة قتالية مستقلة.
انهيار القدرات البشرية للجيش السوداني
كان الجيش السوداني، في العقود الماضية، أحد أكبر الجيوش في المنطقة من حيث العدد والقدرات، حيث قُدِّر عدد أفراده في بداية الألفية الجديدة بحوالي 200,000 جندي. ومع ذلك، فقد تقلّص هذا العدد بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ويُقدر أن قوام الجيش اليوم لا يتجاوز 50,000 إلى 70,000 جندي، بحسب تقديرات غير رسمية. ويرجع هذا الانخفاض الحاد إلى عدة عوامل رئيسية، منها:
- الاستنزاف في المعارك: فقد الجيش آلاف الجنود منذ بداية الحرب، حيث تشير بعض التقديرات إلى مقتل أكثر من 20,000 جندي منذ بداية الصراع الداخلي الأخير.
- الهروب والانشقاقات: عانى الجيش من موجة كبيرة من الانشقاقات، خاصة بين الجنود والضباط ذوي الخبرة القتالية، مما أدى إلى فراغ قيادي خطير في صفوفه.
- ضعف التجنيد والتدريب: مع تزايد حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، انخفضت معدلات التجنيد بشكل كبير، ولم يعد الجيش قادرًا على تعويض خسائره البشرية بنفس الوتيرة التي يفقد بها جنوده.
اللجوء إلى المرتزقة: خيار اضطراري أم استراتيجية دائمة؟
في ظل هذا النقص الحاد في الأفراد، لم يجد الجيش السوداني خيارًا سوى الاعتماد على المرتزقة الأجانب لتعويض خسائره البشرية في ساحات القتال. فالمقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف الجيش السوداني ينتمون إلى عدة دول، حيث تُشير التقارير إلى استقدام مجموعات من:
- دول غرب إفريقيا: تم جلب مرتزقة من دول مثل تشاد ومالي والنيجر، وهم غالبًا مقاتلون سابقون في جماعات مسلحة أو ميليشيات إقليمية.
- مرتزقة من دول شرق إفريقيا: هناك تقارير تفيد بمشاركة مقاتلين من إريتريا، حيث يتم استقطابهم عبر وعود بمكافآت مالية مغرية.
- مقاتلون من دول أخرى: انتشرت تقارير حول استخدام مقاتلين من دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، يُعتقد أنهم ذوو خبرة في القتال غير النظامي.
وبحسب بعض التقديرات، فإن عدد المرتزقة الذين تم استقدامهم لدعم الجيش السوداني يتراوح بين 5,000 إلى 10,000 مقاتل، يتمركزون في مواقع استراتيجية لتعويض النقص البشري.
قوات تقراي الإثيوبية: تحالف عسكري مفروض بالضرورة
إلى جانب المرتزقة، لجأ الجيش السوداني إلى قوات تقراي الإثيوبية، التي تُعدّ من أكثر الجماعات المسلحة خبرة في القتال، نظرًا للحروب التي خاضتها ضد الحكومة الإثيوبية المركزية خلال السنوات الأخيرة. يتمتع مقاتلو تقراي بقدرة عالية على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة، مما جعلهم قوة لا غنى عنها بالنسبة للجيش السوداني في معاركه الأخيرة.
لماذا يعتمد الجيش السوداني على قوات تقراي؟
- الخبرة العسكرية: خاض مقاتلو تقراي حروبًا طويلة ضد الجيش الإثيوبي، مما جعلهم مقاتلين محترفين في الحروب النظامية وحروب العصابات.
- التنظيم والانضباط: يُعرف جيش تقراي بأنه واحد من أكثر القوات غير النظامية تنظيمًا في المنطقة، ما يتيح له تنفيذ عمليات عسكرية بكفاءة عالية.
- عدم توافر البدائل المحلية: نظرًا لضعف إمكانيات الجيش السوداني على الأرض، لم يكن لديه خيار سوى الاعتماد على هذه القوات لتحقيق مكاسب ميدانية.
يُعتقد أن عدد قوات تقراي التي انضمت لدعم الجيش السوداني يتراوح بين 3,000 إلى 7,000 مقاتل، ويتمركزون في الخطوط الأمامية للقتال.
تآكل السيادة العسكرية للجيش السوداني
إن استعانة الجيش السوداني بالمرتزقة والقوات الأجنبية لم يكن مجرد تكتيك عابر، بل تحول إلى ضرورة استراتيجية فرضها الواقع العسكري المتدهور. ومع مرور الوقت، تسببت هذه الاعتمادات الخارجية في تآكل السيادة العسكرية للجيش السوداني، وأصبحت قراراته القتالية خاضعة لاعتبارات القوى الأجنبية التي يعتمد عليها.
النتائج المترتبة على هذا الاعتماد
- فقدان الاستقلالية العسكرية: لم يعد الجيش قادرًا على اتخاذ قراراته العسكرية بشكل مستقل، حيث بات مرهونًا بالداعمين الأجانب.
- زيادة التكاليف المالية: الاعتماد على المرتزقة والقوات الأجنبية يُكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على السودان.
- تغيير العقيدة القتالية: بسبب وجود قوات غير سودانية في العمليات، تغيرت طرق القتال، يؤثر على هيكلة الجيش المستقبلية.
لم يعد الجيش السوداني قادرًا على خوض معاركه بشكل مستقل، حيث يعاني من انهيار بشري وميداني دفعه إلى البحث عن بدائل خارجية لتعويض هذا النقص. ومع استمرار هذا النهج، يتحول الجيش من قوة وطنية إلى مجموعة تعتمد على أطراف أجنبية لتحقيق أهدافها العسكرية، مما يثير تساؤلات خطيرة حول مستقبله وإمكانية بقائه كقوة قتالية مستقلة في السودان.