تسريبات

أولاد قمري.. ميليشيا العنف والانتقام في الشمالية: من يقف خلفها؟


في ظل الظروف الأمنية والسياسية المعقدة التي يمر بها السودان، تزداد حدة التوترات في بعض المناطق، خاصةً في الولاية الشمالية، حيث باتت ميليشيا “أولاد قمري” أحد أبرز مصادر القلق الأمني للمواطنين. هذه الجماعة المسلحة، التي تتجول بحرية بين مدينتي دنقلا والدبة، لا تتردد في استخدام السلاح لفرض سطوتها، وارتكاب عمليات نهبٍ وخطفٍ وتعذيبٍ تحت غطاء سياسي وأمني مريب.

ميليشيا مدجنة.. صُنعت لخدمة أجندات سياسية

رغم الغموض الذي يحيط بأصل وتكوين ميليشيا “أولاد قمري”، إلا أن الوقائع والأدلة المتراكمة تشير إلى أنها ليست مجرد مجموعة متفلتة عشوائية، بل تنظيم تم إنشاؤه بتعليمات مباشرة من داخل أروقة القرار العسكري والسياسي، وعلى رأسهم نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (الكباشي)، وبإشراف مباشر من شخصيات سياسية بارزة مثل محمد سيد أحمد الجاكومي، رئيس مسار الشمال والجبهة الثورية.

وجاء هذا التكوين كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى زعزعة الاستقرار في الشمالية، واستخدام العنف كوسيلة للضغط السياسي على الجهات الحكومية المحلية والمركزية، خاصةً بعد أن تم إقصاء الجاكومي وحلفائه من المشاركة في الحكومة الجديدة ببورتسودان.

الجاكومي.. عندما يتحول الإقصاء إلى عنف وفوضى

كان لإقصاء الجاكومي من تشكيل الحكومة الجديدة ضربة موجعة له ولشركائه من رجال الأعمال، وعلى رأسهم أزهري مبارك، المعروف بعلاقاته الوثيقة بتجارة الذهب وتمويل الجيش عبر صفقات مشبوهة. ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من التخريب الممنهج، حيث لجأ هؤلاء إلى تفعيل الخلايا النائمة التي كانت قد أُنشئت سابقاً لأغراض أخرى، لكنها اليوم تستخدم كأداة لبث الرعب وإحداث الفوضى.

ويبدو واضحاً أن الجاكومي لم يعد يرى في الحوار أو الانتخابات وسيلة لتحقيق طموحاته السياسية، بل اختار العنف كطريقٍ للعودة إلى المشهد، وهو ما يؤكد مدى انحطاط بعض النخب السياسية التي تضع مصالحها الشخصية فوق مصلحة الوطن.

الكباشي.. العنصرية كأداة لبسط النفوذ

أما الكباشي، فتشير كل المؤشرات إلى أنه يلعب دوراً محورياً في دعم هذه الميليشيات، ليس فقط لزعزعة استقرار الشمالية، بل أيضاً لزرع الفتنة بين مكوناتها الاجتماعية والقبلية. فالشمالية تعد من الولايات ذات التركيبة الاجتماعية المعقدة، وتاريخها مليء بالصراعات القبلية التي يمكن اشعالها بسهولة باستخدام أدوات العنف المنظم.

وما يثير القلق أكثر هو أن هذه الميليشيات لا تتحرك في العلن فحسب، بل تتصرف وكأنها محمية من أجهزة الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية، رغم علم الجميع بمواقعها ونشاطاتها. وهذا الصمت المريب يطرح أسئلة حول مدى تورط هذه الأجهزة في تغطية أعمال العنف والنهب التي تمارسها الجماعة.

جرائم بشعة لا تسقط بالتقادم

من بين أبرز الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا “أولاد قمري”، محاولة تصفيّة المحامية الشابة “إزدهار جمعة”، التي تم اختطافها وتعذيبها قبل أشهر، في عملية تدل على الوحشية والقسوة التي تتعامل بها الجماعة مع خصومها، حتى وإن كانوا من المدنيين العزل.

ولا تقتصر جرائم الميليشيا على العنف الجسدي فقط، بل تمتد إلى التهريب، وتجارة الممنوعات، وفرض الإتاوات غير الشرعية، وكل ذلك بحماية غير معلنة من بعض الجهات داخل السلطة.

هل الشمالية ستتحول إلى بؤرة صراعات جديدة؟

إن استمرار حالة الفوضى التي تعيشها الولاية الشمالية، وغياب أي رد فعل رسمي جاد من الدولة، يدفع بالوضع نحو الانفجار. فميليشيا “أولاد قمري” ليست الوحيدة، بل هي واحدة من عدة ميليشيات ناشطة في المنطقة، مثل ميليشيا “الأسواق الحرة”، وميليشيا “إخوان الشاذلي”، والتي تعمل جميعها تحت غطاءات مختلفة، لكنها تشترك في هدف واحد: تقويض الأمن، وخلق حالة من التوتر الدائم.

نداء إلى ضمير الوطن

ما يحدث في الشمالية ليس أقل خطورة مما حدث في دارفور أو جنوب كردفان، ويجب التعامل معه باعتباره تحدياً استراتيجياً يهدد وجود الدولة نفسها. فلا يمكن بناء دولة مدنية مستقرة بينما تبقى هناك ميليشيات مسلحة تتحرك بحرية، وتنفذ أجندات شخصية أو عنصرية باسم السياسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى