تحقيقات

أموات بلا مقابر.. حرب السودان تكشف عن فصولها المأساوية


يقف أمام بوابات منزله وقد علتها آثار رصاص وبجانبها كومة رملية يعلوها لوح خشبي عليه اسم والدته التي اضطر إلى دفنها أمام المنزل.

قرار صعب أن يدفن شخص عزيزا عليه في حفرة عشوائية، في شعور قاتم لا يزال يطوق جميل مرجان، السوداني الذي لم يجد حلا أمام صعوبة الوصول للمقابر الرسمية في ظل الحرب الدائرة في السودان منذ ربيع 2023.

ويقول مرجان بعينين حمراوين يظهر عليهما الإرهاق، لوكالة «فرانس برس»، إنه عند وفاة والدته في مارس/آذار 2024، «كانت هناك اشتباكات بين الجيش والدعم السريع» حول أم درمان بضواحي العاصمة السودانية «فلم نستطع الوصول للمقابر واضطررنا إلى دفنها بجانب المنزل».

وتسببت الحرب التي اشتعلت في السودان بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) قبل عامين في مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 12 مليونا. ويشهد السودان أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.

وفي الخرطوم وحدها، نزح أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون شخص إلى مخيمات اللجوء ومناطق بعيدة عن الاشتباكات العنيفة، في حين تُوفي 61 ألفاً لأسباب مختلفة، منها انعدام الرعاية الصحية، خلال الأربعة عشر شهراً الأولى من الحرب، ومن بينهم 26 ألفا قتلوا بسبب العنف.

وسجلت كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة ارتفاعا في معدلات الوفيات في السودان بنسبة 50% مقارنة بما قبل الحرب.

مقابر في كل مكان

لم يعد سكان مناطق الخرطوم التي تشهد نزاعاً عنيفاً يجدون طرقاً لدفن ذويهم بشكل رسمي أو آمن، وأصبحوا يلجأون لحفر المقابر حيثما اتفق، في الشوارع أو في الباحات الخلفية للمنازل وحتى الملاعب القديمة.

وفي أحد أحياء أم درمان بضواحي الخرطوم، تحول ملعب لكرة القدم إلى مقبرة غير رسمية شواهدها عبارة عن ألواح خشبية أو قطع معدنية أو حتى لوح أسود يحمل اسما مكتوبا بالطبشورة في حين تظهر آثار الدمار في المحيط.

وفي الشوارع التي كانت تزدحم بالأسواق وبائعات الشاي والمارة قبل الحرب، تنتشر الآن أكوام الركام، في حين يعتلي القناصون البنايات.

ويقول السماني محمد السماني المتطوع في دفن الجثث لوكالة فرانس برس، إن تلك الشوارع كانت “في يوم من الأيام عادية” لكن الآن قد تجد “جثماناً مقبورا أمام البيت”.

ويضيف أنه لا توجد طريقة للوصول إلى المقابر الرسمية “وحتى المقابر الثانوية التي بنيناها قد لا نستطيع الوصول إليها”.

وبحسب السماني، تعرض متطوعو الدفن للعنف من قبل الدعم السريع، ما اضطرهم إلى العودة بالجثامين وعدم دفنها، ويقول إن “الجثث المتحللة كانت في أرجاء الشارع”، في رواية لم يتسن التأكد من صحتها.

اتهامات

منذ بداية الحرب، يُتهم طرفا النزاع بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين واستهداف أحياء سكنية بشكل عشوائي.

وتواجه قوات الدعم السريع والجيش اتهامات بارتكاب جرائم حرب، بما يشمل استهداف مدنيين وقصف مناطق سكنية ومنشآت طبية عمدا.

واليوم بعد مرور قرابة عامين على الحرب في السودان، يبدو أن الجيش شارف على إحكام السيطرة على العاصمة الخرطوم بالكامل، بعدما كانت عدة مناطق منها وبينها القصر الجمهوري وعدة منشآت حيوية تحت سيطرة الدعم السريع.

وأعلن الجيش خلال الأسبوع الحالي سيطرته على القصر الجمهوري ومنشآت حيوية أخرى منها المصرف المركزي ومقر المخابرات الوطنية.

إلا أن قوات الدعم السريع ما زالت بعيدة عن الهزيمة ومستمرة في قصف أحياء سكنية والاستيلاء على مدن في مناطق نائية بالسودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى