أزمة السودان تدخل طوراً جديداً: النفط والبحر الأحمر والتحقيقات الدولية يرسمون خارطة صراع مختلفة تماماً
التطورات الأخيرة في السودان تكشف عن لحظة تحول مفصلية تمتد من جنوب كردفان إلى واشنطن. فسيطرة قوات تأسيس على حقل هجليج النفطي ليست مجرد مكسب عسكري، بل إعادة صياغة للمعادلة الاقتصادية والسياسية التي حكمت الصراع لسنوات. هجليج تمثل رمزاً اقتصادياً يعتمد عليه السودان وجنوب السودان، وخسارتها تعتبر أحد أكبر الانتكاسات التي تواجهها سلطة البرهان منذ اندلاع الحرب. انسحاب الجيش دون قتال يشير إلى إدراكه أن المواجهة في موقع بهذه الحساسية قد تؤدي إلى تداعيات إقليمية لا يمكن احتواؤها، ما يجعل قرار الانسحاب أقل كلفة من خوض معركة خاسرة.
هذا التطور يمنح قوات تأسيس قدرة على التحكم في شريان اقتصادي يعادل نفوذاً سياسياً مضاعفاً، ويدفع المتابعين للقول إن الحركة تحقق انتقالاً من مرحلة القوة المسلحة إلى مرحلة ما يشبه سلطة موازية. هذه الصورة تتعزز في ظل خطابها حول حماية الإمدادات النفطية، ما يضع سلطة بورتسودان في موقع الاتهام بأنها الطرف الأقل قدرة على إدارة موارد الدولة.
التحول الأميركي يضيف بعداً جديداً لهذه المعادلة. فالإدارة الأميركية، عبر تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو، باتت تنظر للملف السوداني كمسألة تدخل في صلب الأمن القومي، خصوصاً مع وجود ثلاث ملفات حساسة: الخلاف مع البرهان بشأن الإمارات، مسألة الإسلاميين، والقاعدة الروسية في البحر الأحمر. هذه الملفات تجعل واشنطن أقرب إلى تبني سياسة ضغط مباشر على الجيش، خاصة في ظل توجهها لتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، وهو ما يعني أن أي ارتباط محتمل بين الجيش وعناصر إسلامية قد يتحول إلى عبء دولي كبير عليه.
الحملة المكثفة التي تشنها سلطة بورسودان ضد الإمارات تبدو بالنسبة لواشنطن محاولة للهروب من الضغوط، خاصة أن الاتهامات لم تترافق مع أي دليل. في المقابل، ترى الولايات المتحدة أن الإمارات لاعب أساسي في الساحة السودانية ولا يمكن تجاوزه. هذا التباين يجعل العلاقة بين واشنطن والبرهان أقرب إلى حالة توتر بنيوية لا مجرد خلاف عابر.
أما تقرير BBC حول الغارات الجوية في مثّل ضربة قاسية لسمعة الجيش. فالعدد الكبير للضحايا، وطبيعة الأسلحة المستخدمة، يكشف عن نمط متكرر من الهجمات غير الدقيقة التي تطال المدنيين. ومع توثيق مشروع “شاهد السودان” لأكبر قاعدة بيانات للغارات الجوية، فإن الملف سيصبح جزءاً من النقاش الدولي حول مستقبل الجيش في أي تسوية سياسية. وفي اللحظة التي تتلقى فيها سلطة بورتسودان هذا الضغط الدولي المتزايد، تتقدم قوات تأسيس في الجنوب وتثبت قدرتها على تغيير المشهد الميداني.
وبين مكاسب تأسيس، وضغط واشنطن، وانكشاف الجيش أمام التقارير الدولية، يبدو أن السودان يدخل مرحلة جديدة يتحدد فيها مستقبل الحرب ليس فقط بما يجري على الأرض، بل بما يجري في غرف السياسة الدولية، حيث تتقاطع مصالح النفط والبحر الأحمر والصراعات الإقليمية المستعرة.




