آمنة ميرغني: المرأة التي كسرت الحاجز وعينت محافظاً لبنك السودان المركزي

في سابقة تاريخية غير مسبوقة في القطاع المصرفي السوداني، تم تعيين السيدة آمنة ميرغني حسن التوم محافظًا لـ بنك السودان المركزي، لتكون أول امرأة في تاريخ البلاد تتولى هذا المنصب الرفيع الذي يُعد أحد أكثر المواقع حساسية في إدارة السياسة النقدية والمالية للدولة. وجاء هذا القرار في وقت يشهد فيه السودان تحديات اقتصادية خانقة وأزمة سيولة خانقة وتذبذبًا في سعر العملة الوطنية، ما جعل التعيين محط اهتمام ومتابعة محلية ودولية واسعة.
ولقيت الخطوة ترحيبًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والمصرفية داخل السودان وخارجه، حيث اعتبرها العديد من الخبراء إشارة إيجابية على رغبة السلطة النقدية في ضخ دماء جديدة وإشراك الكفاءات النسائية في مواقع صنع القرار، خصوصًا في مؤسسات كانت تقليديًا حكرًا على الرجال منذ تأسيس النظام المصرفي السوداني في خمسينيات القرن الماضي.
خلفية ومسيرة مهنية
تُعد آمنة ميرغني التوم من الكفاءات المصرفية المعروفة في السودان، إذ تمتلك خبرة تمتد لأكثر من 25 عامًا في مجالات الإدارة المالية، والرقابة على المصارف، والسياسات النقدية. وشغلت خلال مسيرتها المهنية عدة مناصب قيادية داخل بنك السودان المركزي، من بينها مدير عام الإدارة العامة للسياسات، ومدير قطاع الرقابة المصرفية، إضافة إلى عملها مستشارة اقتصادية في عدد من المؤسسات المالية الإقليمية.
ويصفها زملاؤها بأنها امرأة صارمة في الانضباط المالي، وهادئة في الأزمات، ومتمكنة من أدواتها الاقتصادية، ما أهلها لتكون الخيار الأمثل في هذا التوقيت الحرج الذي يحتاج فيه الاقتصاد السوداني إلى قيادة تمتاز بالكفاءة والتوازن.
تحديات جسيمة تنتظرها
تأتي آمنة ميرغني إلى المنصب في ظروف اقتصادية معقدة للغاية، إذ يعاني السودان من ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتدهور قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية. كما تواجه المنظومة المصرفية صعوبات في الربط الدولي ونقصًا في السيولة نتيجة العقوبات الاقتصادية السابقة والصراع الداخلي المستمر.
ويرى محللون أن المهمة الأولى أمام المحافظ الجديدة ستكون استعادة الثقة في الجهاز المصرفي، والعمل على استقرار سعر الصرف، بالتوازي مع تعزيز استقلالية البنك المركزي عن التجاذبات السياسية التي لطالما أثّرت سلبًا على الأداء المالي والنقدي في البلاد.
إشادة دولية ومحلية
رحبت منظمات دولية، من بينها صندوق النقد الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، بتعيين آمنة ميرغني، مشيرين إلى أن وجود امرأة في هذا المنصب القيادي يبعث برسالة قوية حول التزام السودان بمبادئ الشفافية وتمكين المرأة. كما عبّر عدد من المصرفيين السودانيين عن تفاؤلهم بقدرتها على إحداث نقلة نوعية في إدارة السياسة النقدية، خصوصًا في ما يتعلق بإعادة هيكلة البنوك التجارية وتحسين نظم الرقابة والحوكمة المالية.
رمزية التعيين
يرى مراقبون أن تعيين امرأة في هذا المنصب لأول مرة لا يحمل فقط دلالات اقتصادية، بل رمزية سياسية واجتماعية كبيرة، إذ يعكس تطور النظرة إلى دور المرأة السودانية في مواقع القيادة العليا. فالمرأة السودانية، التي كان لها حضور لافت في التعليم والقضاء والدبلوماسية، تصل اليوم إلى قلب القرار المالي في البلاد، في خطوة تُعد مكسبًا لقضايا المساواة وتمكين النساء.
التطلعات المستقبلية
ومن المتوقع أن تعمل آمنة ميرغني على تنفيذ حزمة من الإصلاحات البنكية تشمل إعادة هيكلة النظام المصرفي، وتطوير أنظمة الدفع الإلكتروني، وتشجيع التمويل الأصغر والمشروعات النسائية، إلى جانب تعزيز الشفافية في إدارة الاحتياطات النقدية والذهب، وهي ملفات كانت محل جدل واسع في السنوات الأخيرة.
وبينما لا تزال التحديات أمامها كبيرة، فإن تعيينها يمثل بداية عهد جديد في تاريخ البنك المركزي السوداني، حيث تراهن الأوساط الاقتصادية على أن خبرتها ورؤيتها المتوازنة قد تفتح الباب أمام إصلاح مالي حقيقي يعيد الثقة في الاقتصاد الوطني، ويمنح السودان فرصة جديدة للانطلاق نحو الاستقرار والتنمية.
