مع دخول العقوبات حيز التنفيذ.. الجيش يُتهم بتلويث حياة السودانيين

عقوبات أمريكية جديدة على السودان تدخل حيز التنفيذ، لتعيده إلى نفق العزلة وتفاقم إحباط شعب يعاني في ظل حرب لم تضع أوزارها منذ أكثر من عامين.
والعقوبات التي تسري اليوم الجمعة جاءت على خلفية اتهام وزارة الخارجية الأمريكية للحكومة السودانية باستخدام أسلحة كيميائية في حربها مع قوات «الدعم السريع» خلال عام 2024.
-
خبراء: البرهان يسير على خطى البشير بعد تقارير استخدام الأسلحة الكيميائية
-
اتهامات خطيرة للجيش السوداني: الأسلحة الكيميائية ضمن انتهاكات حقوق الإنسان
ويأتي سريان العقوبات وسط حالة من الإحباط في أوساط السودانيين. بسبب انزلاق الدولة إلى نفق العقوبات مجدداً. بعدما أوشكت على مغادرته عقب الثورة السودانية التي أطاحت بنظام الإخوان في أبريل/نيسان 2019.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان و”الدعم السريع” بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي“. حرباً خلّفت أكثر من 13 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقاً للأمم المتحدة.
وفي مايو/أيار الماضي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس. إن «واشنطن خلصت إلى أن السودان استخدم أسلحة كيميائية في عام 2024. وتعتزم فرض عقوبات عليه بعد إخطار الكونغرس بمدة 15 يوماً».
-
الدعم السريع يتهم الجيش باستخدام أسلحة محظورة.. والأمم المتحدة تتحرك
-
اتهامات خطيرة وتحقيق رسمي.. أسلحة كيماوية تربك موقف البرهان
طبيعة العقوبات
بحسب قانون مكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقضاء على الحروب لعام 1991. فرضت واشنطن حزمة من العقوبات على السودان تضمنت إنهاء المساعدات الخارجية غير الإنسانية، ووقف مبيعات الأسلحة وتمويلها.
كما تضمنت أيضاً حرمان السودان من أي قروض أو دعم مالي حكومي أمريكي. وكذلك حظر تصدير السلع والتكنولوجيا الحساسة للأمن القومي.
وتشمل العقوبات المفروضة قيوداً على الصادرات الأمريكية إلى السودان. بالإضافة إلى منع وصوله إلى خطوط الائتمان الحكومية الأمريكية.
-
متقاعدون في السودان يرفضون الحرب: صوت يتحدى ويتهم باستخدام الكيماوي
-
الدعم السريع تصعّد الاتهامات: البراء واجهة الإخوان للضرب بالكيماوي؟
ومع ذلك، قررت وزارة الخارجية الأمريكية التنازل جزئياً عن بعض هذه العقوبات فيما يتعلق بالمساعدات الأجنبية، وتراخيص تصدير المواد المدرجة في قائمة الذخائر الأمريكية. وترخيص السلع والتكنولوجيا الحساسة للأمن القومي.
وأكدت الوزارة أن هذا التنازل ضروري للمصالح الأمنية القومية للولايات المتحدة.
موقف السلطة في بورتسودان
بمجرد إعلان اعتزام أمريكا فرض عقوبات على السودان. بسبب استخدام الجيش للأسلحة الكيميائية، سارعت الخارجية السودانية إلى نفي ما وصفته بـ”المزاعم” التي تضمنها بيان نظيرتها الأمريكية.
-
الدعم السريع تصعّد الاتهامات: البراء واجهة الإخوان للضرب بالكيماوي؟
-
السودان: أمريكا تختلق اتهامات بالكيماوي للتغطية على دعم قوات الدعم السريع
وحينها، قالت الوزارة إن الإجراءات التي أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستتخذها ضد السودان تمت بناءً على حزمة من “الادعاءات الباطلة”.
وبعد مرور نحو أسبوع من هذا البيان الاستنكاري الذي أصدرته الخارجية السودانية. عادت الوزارة نفسها لإصدار بيان ثانٍ في 29 مايو/أيار الماضي، وفيه. أعلنت أن رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، أصدر قراراً بتشكيل لجنة وطنية تضم وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع. وجهاز المخابرات العامة، للتحقيق في هذه المزاعم.
ورغم مرور أكثر من شهر على تشكيل هذه اللجنة، لم يصدر عنها أي بيان حتى الآن.
إحباط
دخول العقوبات الأمريكية ضد السودان حيّز التنفيذ اليوم أثار موجة من الإحباط في أوساط السودانيين. حيث شهدت منصات التواصل الاجتماعي في البلاد حالة من الاستياء عبر صفحات كثير من النشطاء.
-
صمود: كيماوي الجيش وأطماع الإخوان يهددان السودان والمنطقة
-
عقوبات واشنطن تضرب الاقتصاد.. الجنيه السوداني يتراجع بقوة
ويعتبر هؤلاء أن الخطوة تعيد السودان إلى عهد العقوبات والعزلة الدولية، وهي السمة الأبرز خلال حكم الإخوان (عهد الرئيس السابق عمر البشير).
وانتقد الأمين العام للتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة السودانية “صمود”. صديق المهدي، فكرة “اللجنة الوطنية” التي شكلها الجيش للتحقيق حول استخدام السلاح الكيميائي في الحرب.
وقال المهدي في مقابلة سابقة إن “تشكيل لجنة من قبل الجيش للنظر في الاتهام الأمريكي باستخدام الأسلحة الكيميائية، هو إجراء من ناحية سياسية بلا قيمة ولا يحمل أي تأثير”.
وأضاف أن “الثورة السودانية هي التي أخرجت السودان من قبل من نفق العقوبات الأمريكية الخاصة بقائمة الدول الراعية للإرهاب”.
-
واشنطن تضغط.. فهل يحسم مجلس الأمن موقفه من بورتسودان؟
-
سلاح الكيماوي في السودان.. جريمة حرب تُرتكب وسط صمت عالمي
واستدرك: “إلا أن الحرب الجارية الآن هي التي أعادت السودان إلى عهد العقوبات. الذي وضعته فيه المنظومة البائدة في حقبة الإخوان برئاسة عمر البشير”.
وأشار إلى أن “الطريق الأوحد أمام قيادة الجيش السوداني هو ضرورة القفز إلى الأمام بوقف الحرب عبر عملية سياسية تفاوضية مؤسسة على رؤية سودانية خالصة”.
وأوضح المهدي أن استمرار الحرب يهدد أمن دول الجوار السوداني .واستقرار القرن الأفريقي والبحر الأحمر، من خلال توفير البيئة المناسبة لاحتضان الإرهابيين ونشاط الهجرة غير النظامية.
وتابع أنه “لتجنّب الانزلاق في نفق العقوبات من جديد. فلا سبيل إلى ذلك إلا بوقف الحرب عبر عملية سياسية تفاوضية تُنهي مأساة أهل السودان، وتُعيد السودان إلى الواجهة الصحيحة”.
-
تقرير ميداني من الدعم السريع: ممارسات الجيش تجاوزت القتال إلى الإبادة
-
السودان تحت النار: انتهاكات الجيش ومعاناة المدنيين
تعميق العزلة الدولية
في تعقيبه على التطورات، يرى عثمان فضل الله، المحلل السياسي والكاتب الصحفي رئيس تحرير مجلة “أفق جديد” السودانية. أن دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ يعمّق عزلة السلطة القائمة في بورتسودان، ويضعف قدرتها على التفاوض أو المناورة في الساحة الدبلوماسية.
ويقول فضل الله إن الخطوة “تُعرقل أي محاولات محتملة للحصول على تمويلات أو دعم تنموي مستقبلي”.
ويضيف: “قد تتجاوز تداعيات هذه العقوبات الإطار الأمريكي لتتحول إلى موجة جديدة من الضغوط الغربية، وربما تُحرّك آليات دولية مثل مجلس الأمن أو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لفتح تحقيقات مستقلة”.
-
السودان دائرة الصراع.. الدعم الخارجي والانتهاكات العسكرية في ظل الأزمات الإقليمية
-
العقوبات الدولية تدعم موقف البرهان السياسي في السودان.. تحليل للأبعاد والتداعيات
أما على المستوى المحلي والوضع الاقتصادي السوداني. فأشار فضل الله إلى أن “هذه العقوبات ستنعكس على الوضع الاقتصادي المتردي أصلاً. مما يزيد من حالة السخط الشعبي ويُضعف قدرة الجيش على الحفاظ على التماسك الداخلي، في ظل ضغوط متعددة”.
ولفت إلى أن “القيادة العسكرية قد تلجأ، كما جرت العادة، إلى توظيف هذا التطور في خطابها السياسي، عبر تصوير العقوبات كاستهداف خارجي أو كمؤامرة ضد السيادة الوطنية. مما يفتح الباب أمام تعبئة داخلية مضادة، ولكنها محدودة الأثر”.
-
السودان تحت الظلام.. انقطاع الكهرباء يصل إلى دنقلا
-
الإخوان يدعمون البرهان: وقود الحرب وانهيار الدولة في السودان
-
البرهان بين حسابات السلطة ومعارك النفوذ.. الميكافيلية السودانية في أوجها
