أحداث

مباحثات السلام تتعثر.. شروط الجيش تُربك الوسطاء وتعرقل اتفاق الهدنة


في لحظة توتر إقليمي وتراجع فرص التهدئة في السودان، كشف المبعوث الأميركي للشؤون الأفريقية والعربية مسعد بولس عن تفاصيل خطة هدنة جديدة طرحتها واشنطن على طرفي الصراع، لكنها اصطدمت – مرة أخرى – بشروط الجيش السوداني التي وصفها بولس بأنها “مستحيلة التحقيق”، ما أعاد التأكيد على عمق الهوة بين الأطراف وقدرة الاشتراطات المسبقة على تعطيل أي مسار تفاوضي قبل أن يبدأ.

وخلال مؤتمر صحفي عقده في أبوظبي، أوضح بولس أن المقترح الأميركي المطروح يستند إلى مشروع اتفاق سبق أن قدمته الرباعية الدولية (الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات) في سبتمبر/أيلول الماضي، لكنه حُدّث ليعكس التطورات الميدانية والإنسانية المتسارعة.

وأشار إلى أن الطرفين، الجيش وقوات الدعم السريع، لم يبديا قبولًا رسميًا بالمقترح، رغم أن الخطة “محكمة ومباشرة ولا تحمل تناقضات”.

إلا أن جوهر التعطيل، وفقًا للمبعوث الأميركي، يكمن في اشتراطات الجيش السوداني، وعلى رأسها رفض أي هدنة قبل انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق المدنية، وهو مطلب يراه الأميركيون غير قابل للتطبيق سريعًا، ويعادل – عمليًا – مطالبة الطرف الآخر بتقديم تنازلات منهكة قبل بدء عملية التفاوض نفسها.

وتصاعد الجدل بعد إعلان قوات الدعم السريع وقفًا لإطلاق النار من جانب واحد، في خطوة جاءت تحت ضغوط دولية عقب تقارير عن انتهاكات واسعة منسوبة اليها في نهاية الشهر الماضي. ورحّبت الأمم المتحدة بهذه الخطوة بوصفها “اتجاها صحيحا”، لكنها ربطت صدقيتها بتحسين حماية المدنيين وفتح ممرات الإغاثة.

ورغم إعلان الدعم السريع، اتهم الجيش خصمه بشن هجوم على قاعدة في بابنوسة بولاية غرب كردفان، في مؤشر يعكس هشاشة أي إعلان من هذا النوع في ظل انعدام الثقة المطلقة بين الطرفين. كما وصف المتحدث باسم الحكومة السودانية الهدنة المعلنة بأنها “مناورة سياسية مكشوفة”، متهمًا قوات الدعم السريع بتهيئة غطاء إعلامي لتجاوزات ميدانية.

وفي مقابل الموقف الأميركي، بدا لافتًا التحول النسبي في لهجة الجيش، بعدما طلب مجلس الأمن والدفاع السوداني برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان من “الجهات المختصة” دراسة المقترح الأميركي والرد عليه، وذلك بعد يومين فقط من وصف البرهان للخطة بأنها “الأسوأ” ومؤكِدًا أنها تمنح الدعم السريع شرعية غير مستحقة. وهذا التبدل لا يعكس تغييرًا في الجوهر بقدر ما يشير إلى محاولة تكتيكية لتحسين موقع الجيش التفاوضي.

وتتداخل مع هذه المواقف اتهامات سابقة وجهها الجيش للإمارات بأنها تنحاز للدعم السريع، وهو ما تنفيه أبوظبي بشدة، إذ أكد المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش رفض بلاده لـ”حملات التضليل”، مشددًا على أن الإمارات لن تتراجع عن جهودها لإحلال السلام.

كما أشار بولس إلى أن أي تصنيف أميركي محتمل لجماعة الإخوان المسلمين قد يؤدي إلى تدقيق إضافي في أنشطة فروعها في المنطقة، في إشارة غير مباشرة إلى نفوذ الجماعات الإسلامية داخل الجيش السوداني، وهو أمر ينفيه البرهان.

في المحصلة، تبدو الخطة الأميركية الجديدة محاولة إضافية في مسار طويل من المبادرات التي تصطدم كل مرة بجدار الشروط المسبقة، خصوصًا من جانب الجيش. وبينما تواصل واشنطن والإمارات والأمم المتحدة الضغط لخلق مساحة تهدئة إنسانية، فإن مستقبل هذه المساعي يظل مرهونًا بقدرة الأطراف على التخلي عن شروط الإخضاع المسبق والقبول بوقف النار كمدخل لا كحصيلة تفاوض، وهو ما لا تُظهر الوقائع أنه قريب المنال حتى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى