عقوبات أمريكية لوقف التصعيد في السودان
كشفت الولايات المتحدة ورقة العقوبات في وجه السودان بعد أن وصلت وساطة سعودية أميركية مشتركة لوقف إطلاق النار في أكثر من مناسبة.
بينما يأتي القرار الأميركي بفرض عقوبات على معطلي التهدئة دون تحديدها. بعد يوم من إعلان الجيش الانسحاب من مفاوضات جدة.
وقالت واشنطن، إنها فرضت عقوبات اقتصادية وقيودا على التأشيرات على الأطراف التي “تديم العنف” في السودان في غمرة اشتداد حمى الاشتباكات في العاصمة الخرطوم.
واستهدفت العقوبات شركات اتهمتها واشنطن بإذكاء الصراع في السودان وصعدت الضغط على الجيش وقوات الدعم السريع لوقف القتال الدائر في الخرطوم ومناطق أخرى.
وساوت الولايات المتحدة في عقوباتها بين قوات الدعم التي تمسكت بالهدنة. والتزمت بها والجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان الذي انسحب من التهدئة واستمر في استخدام القوة المميتة اما قصفا بالمدفعية الثقيلة أو بالطيران الحربي.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إنها استهدفت شركتين مرتبطتين بالجيش السوداني وشركتين مرتبطتين بالدعم السريع. وأكد مسؤول كبير في الإدارة الأميركية. تحدث إلى الصحفيين مشترطا عدم نشر اسمه “لن نتردد في اتخاذ خطوات إضافية إذا استمر الطرفان في تدمير بلديهما”. مضيفا أن “استهداف الشركات ليس رمزيا على الإطلاق”. وقال إن الإجراءات تستهدف منع حصول الأطراف على الأسلحة والموارد التي تسمح لهم بإدامة الصراع.
وإجراءات اليوم الخميس هي أول عقوبات تُفرض بموجب أمر تنفيذي وقعه الرئيس الأميركي جو بايدن في مايو. وتفرض الإجراءات عقوبات على أكبر مؤسسة دفاعية في السودان وهي منظومة الصناعات الدفاعية. التي قالت وزارة الخزانة إنها تدر عائدات تقدر بملياري دولار وتقوم بتصنيع أسلحة ومعدات أخرى لجيش السودان. كما تم استهداف مجموعة جياد للأسلحة المعروفة أيضا باسم شركة سودان ماستر تكنولوجي.
وفيما يطال قوات الدعم السريع، فرضت واشنطن عقوبات على مجموعة الجنيد. التي قالت إنها ضالعة في تعدين الذهب وكذلك شركة تريدف. التي قالت إنها شركة واجهة تسيطر عليها شركة أخرى يسيطر عليها أحد أشقاء حميدتي وهي ضالعة في شراء مركبات لقوات الدعم السريع.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان منفصل إن واشنطن أصدرت أيضا إرشادات معدلة للشركات لتسليط الضوء على المخاطر التي فاقمها الصراع والتي يتعرض لها رجال الأعمال والأفراد الأميركيون، بما في ذلك الاتجار بالذهب من منطقة متضررة من الصراع.
وأضاف أنه تم فرض قيود على التأشيرات على الأفراد في السودان. بمن فيهم مسؤولون من الجيش وقوات الدعم السريع وقيادات من حكومة عمر البشير السابقة. ولم يتم الكشف عن أسماء الأشخاص الذين استهدفتهم قيود التأشيرات.
وسبق لأمريكا أن جمدت تمويلات للسودان بنحو 700 مليون دولار على اثر انقلاب قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان في أكتوبر 2021 على الشركاء المدنيين في السلطة. لينحرف بمسار انتقالي ديمقراطي كان يمثل خلاصا للسودانيين من ثلاثة عقود من حكم عمر البشري الذي أطاح به الجيش في 2019 على اثر احتجاجات شعبية حاشدة.
وانقلب البرهان بذلك على كل الآمال التي كانت معلقة على بناء الدولة المدنية الديمقراطية. مفجرا أزمة جديدة اجتماعية ومالية فاقت معاناة السودانيين مع شح في الوقود وندرة في الخبز.
وتراقب السعودية والولايات المتحدة تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار من المفترض أن يظل ساريا حتى مساء السبت وهو اتفاق عزز الآمال في إنهاء الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وهدأ وقف إطلاق النار من حدة القتال وأتاح وصول مساعدات إنسانية محدودة لكن تتخلله اشتباكات وضربات جوية لم تتوقف تقريبا منذ اندلاع الصراع في 15 أبريل. وقال برنامج الأغذية العالمي إن مواد غذائية وممتلكات تتعرض للنهب في الأبيض في جنوبي غرب الخرطوم. وقالت سيندي ماكين، مديرة البرنامج “غذاء يكفي 4.4 ملايين شخص في خطر”.
وقال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض في بيان “على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، استمرت عنف لا طائل من ورائه في أنحاء البلاد فأعاق توصيل المساعدات الإنسانية وأضر بمن هم في أمس الحاجة إليها”.
وجاء في البيان أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية وقيودا على التأشيرات ضمن مسعى لمنع إطالة أمد الصراع دون الإسهاب في تفاصيل عن الأطراف التي ستطالها الإجراءات.
ودفع الصراع الدائر منذ نحو سبعة أسابيع السودان إلى أزمة إنسانية وحول العاصمة الخرطوم إلى ساحة حرب. والعاصمة المؤلفة من الخرطوم وأم درمان وبحري هي إحدى أكبر مدن أفريقيا وتقع عند التقاء النيلين الأزرق والأبيض.
ووصف أنطوني بلينكن وقف إطلاق النار بأنه “منقوص وهش بشكل لا يصدق”. وقال في أوسلو إن الولايات المتحدة.”تبحث الخطوات التي يمكننا اتخاذها لتوضيح وجهات نظرنا بشأن أي قادة يحركون السودان في الاتجاه الخطأ”.
وأعلن الجيش السوداني أمس الأربعاء أنه سينسحب من محادثات جدة حيث أبرم الاتفاق وحيث يحاول الوسطاء التوصل لهدنة أطول أمدا. ورصدت السعودية والولايات المتحدة انتهاكات جسيمة لوقف إطلاق النار من الجانبين.
وقال شهود إن مواجهات اندلعت في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس في أنحاء مختلفة من العاصمة وإنهم سمعوا أصوات لإطلاق نيران مدفعية في شمال أم درمان وإطلاق نار من حين إلى آخر في جنوب بحري.
وقال نادر أحمد (49 عاما) في حي الثورة في أم درمان “نشعر بالرعب من أصوات المدفعية الثقيلة من حولنا. المنزل يهتز”، متسائلا “أين وقف إطلاق النار الذي نسمع عنه؟”
واستمرت الاشتباكات بالقرب من سوق في جنوب الخرطوم حيث لقي ما لا يقل عن 19 شخصا حتفهم وأصيب 106 آخرون أمس وفقا لعضو في إحدى لجان الأحياء.
ورجح أن يكون عدد القتلى والجرحى أعلى من العدد المذكور لأن كثيرا من الأشخاص تلقوا العلاج في المنازل أو دفنهم أقاربهم خشية الذهاب إلى المستشفيات.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليوم الخميس إن أكثر من 1.2 مليون نزحوا داخل السودان وفر 400 ألف آخرون لدول مجاورة من بينهم 100 ألف إلى تشاد. وجاء في بيانات رسمية تعود إلى نهاية الشهر الماضي أن 730 شخصا على الأقل لقوا حتفهم لكن الأعداد الحقيقية أعلى من ذلك بكثير على الأرجح.
وخارج منطقة الخرطوم، اندلعت اشتباكات في مدن رئيسية بمنطقة دارفور غرب البلاد. وقالت جماعة معنية بحقوق الإنسان هناك إن 50 شخصا على الأقل قتلوا الأسبوع الماضي في مدينة الجنينة الواقعة في أقصى غرب البلاد والتي شهدت بالفعل مقتل المئات في هجمات شنتها ميليشيات وانقطعت عن الاتصالات لأكثر من عشرة أيام.
وأضافت أن مدينة زالنجي شهدت أعمال نهب لمستشفى وجامعة المدينة وتعرض الناس هناك للقتل “عشوائيا”.
وأصبحت مدينة بورتسودان الهادئة الواقعة على ساحل البحر الأحمر مقرا لموظفي الأمم المتحدة. وجماعات الإغاثة ودبلوماسيين وكذلك بعض المسؤولين الحكوميين.
ورغم ذلك أعلنت السلطات حظرا للتجول في المدينة في وقت سابق من هذا الأسبوع وحذر الجيش مما قال تسلل محتمل لـ”خلايا نائمة” إليها. ويقول سكان إن الحافلات منعت من دخول المدينة التي تعد نقطة إجلاء رئيسية.