أحداث

طريق «الحكم المدني» بالسودان مليء بالعقبات


سياق يعج بالعنف والفوضى يتخلله إعلان قوات الدعم السريع تأسيس “إدارة مدنية” في ولاية الجزيرة “وسط”، في محاولة لتدشين آليات الحكم المدني.

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، سيطرت قوات “الدعم السريع“، على ولاية الجزيرة، وعاصمتها ود مدني، في أعقاب انسحاب الجيش السوداني المنطقة.

لتضاف إلى ولايات غرب دارفور، وجنوب دارفور، ووسط دارفور، وشرق دارفور، الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، فضلا عن مناطق جبل أولياء والقطينة، جنوبي العاصمة الخرطوم.

ورغم سيطرتها على هذا الكم من الولايات والمناطق، وفق إعلانات ذاتية من القوات التي تخوض حربا ضد الجيش منذ أبريل/نيسان الماضي، فإنها لم تشكل فيها إدارات مدنية، بل أوكلت مهمة الإدارة للقيادة العسكرية بكل ولاية.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت “قوات الدعم السريع” وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) توقيع “إعلان أديس أبابا” للعمل على وقف الحرب في البلاد.

الإعلان نص على تشكيل إدارات مدنية بتوافق أهالي المناطق المتأثرة بالحرب لإعادة الحياة لطبيعتها، وتشكيل لجنة مشتركة لوقف وإنهاء الحرب وبناء السلام.

والثلاثاء، قالت قوات “الدعم السريع“، في بيان إن المجلس التأسيس المدني انتخب صديق أحمد، رئيسا للإدارة المدنية بولاية الجزيرة.

وجرى الانتخاب وسط حضور كبير لرموز وقيادات أهلية ومنظمات مجتمع مدني في الولاية، وفق البيان.

ويتكون “مجلس التأسيس المدني” من 31 عضوا يمثلون محليات الولاية المختلفة، تمت عملية اختيارهم عبر توافق من مجتمع المحليات الذي يترأسه أحمد محمد البشير، ومن صلاحياته انتخاب رئيس الإدارة المدنية.

وحسب البيان، فإن الإدارة المدنية الجديدة تعمل على استعادة النظام الإداري وحماية المدنيين وتوفير الخدمات الأساسية بالتنسيق، مع “قوات الدعم السريع” التي تسيطر على الولاية.

الحكم الفيدرالي

وفور انتخابه، عقد رئيس الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة، مؤتمرا صحفيا بعاصمة الولاية مدينة ود مدني، تعهد فيه بوضع الأسس المتينة للحكم الفيدرالي رغم التحديات الكبيرة، وطلب من المواطنين العودة إلى بيوتهم.

ورأى رئيس المجلس التأسيسي المدني أن ما يقومون به «تجربة فريدة»، وناشد المنظمات الدولية التعاون، لتحقيق أهداف الإدارة المدنية، وأهل ولاية الجزيرة للتعاون والعمل من أجل بناء الولاية، داعياً طرفي القتال لـ«اتخاذ قرار شجاع بوقف الحرب.

حماية المدنيين

وتعقيبا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي، الطاهر أبو بكر، إن تشكيل إدارة مدنية بولاية الجزيرة، جاء في ظروف قاسية يعاني منها السكان في الولاية، إذ تأثرت الخدمات الأساسية من الكهرباء والمياه والاتصالات.

وأوضح أبو بكر أن الإدارة المدنية مهمتها توفير الحماية للمدنيين وتأمين ممتلكاتهم الأساسية لغياب سلطة الدولة.

وأشار إلى أن الخطوة ستقلل من الآثار الكارثية للحرب، خاصة وأن الخدمات الضرورية أصبحت معدومة في الولاية، مضيفا “مسألة تشكيل الإدارة المدنية ليس بالمسألة السهلة”.

التحول الديمقراطي

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، الهضيبي يس: “يبدو أن قوات الدعم السريع، ومن خلال خطوة الإدارة المدنية، تريد أن تقول إنها صاحبة مشروع سياسي يهدف إلى تحقيق التحول الديمقراطي في البلاد”.

وأضاف يس “كذلك ترغب قوات الدعم السريع في إرسال رسالة للعالم بأنها قوة مسلحة تتطلع لتأسيس سلطة مدنية بالسودان، وأنها مجموعة قومية وقادرة على إيصال مشروعها السياسي إلى كافة بقاع السودان سواء كانت ولاية الجزيرة أو غيرها من المناطق الجغرافية بالبلاد”.

وتابع: “لا يخرج ما تم تنفيذه بولاية الجزيرة من المتفق عليه بين تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) وقوات الدعم السريع في يناير/كانون الثاني الماضي الذي عرف وقتها باتفاق المبادئ المشترك الموقع عليه في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا”.

قبل أن يستدرك: “لكن رغم ذلك فهي أيضا خطوة تواجه عدة تحديات أساسية أولها قدرة السلطة المدنية على إدارة شؤون دولاب العمل بولاية الجزيرة وتقبل المواطنين وتجاوبهم، بعد الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون في الولاية”.

ومضى الهضيبي قائلا: “التحدي يتمثل في مدى قدرة الدعم السريع لتوفير الاحتياجات الأساسية وسط معارضة أتوقع أن تكون شرسة من قبل الطرف الحكومي الذي يتخذ من الشطر الجغرافي بالاتجاه الغربي للولاية موقعا لإدارة الولاية بقيادة الجيش”.

ما يعني، وفق المحلل، أن “المواجهة بين الطرفين متوقعة، الأمر الذي يتسبب في إحداث شرخ اجتماعي جديد بين أبناء الولاية الواحدة على صعيد النسيج الاجتماعي”.

تجارب سابقة 

وتجربة الإدارة المدنية غير التابعة للسلطة المركزية، ليست بالجديدة في السودان، الذي شهد حروبا أهلية عديدة، إذ شكل رئيس الحركة الشعبية، جون قرنق دي مبيور، إدارات مدنية في مناطق كثيرة في جنوب السودان، قبل الانفصال في 2011.

كما أن الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، شكلت أيضا إدارات مدنية في مناطق سيطرتها بولاية جنوب كردفان، باعتبارها مناطق محررة من السلطة المركزية في العاصمة الخرطوم، وأطلقت عليها “السلطة المدنية للسودان الجديد”.

وسبق أن هدد قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلوحميدتي“، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بتشكيل سلطة في المناطق التي تسيطر عليها قواته بما في ذلك العاصمة الخرطوم، حال شكل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، حكومة مدنية في ميناء بورتسودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى