تحقيقات

سوق السلاح يزدهر وسط الانهيار.. تحذيرات من انفلات شامل في المدن السودانية


تشهد مدينة الدبة بشمال السودان تصاعدًا مقلقًا في أعمال العنف، وسط انتشار غير مسبوق للأسلحة النارية بين المواطنين، ما يعكس حجم الانفلات الأمني. الذي بات يهدد حياة المدنيين في ظل غياب الدولة وتفكك الأجهزة الأمنية. وخلال يومين فقط، قُتل ثمانية أشخاص في المدينة، أربعة منهم في اشتباكات قبلية بين قبيلتي الكبابيش والهواوير. وأربعة آخرون في مشاجرة دامية بين سائقي مركبات، استخدمت فيها الأسلحة النارية بشكل مباشر.

وفي مشهد مشابه، وثقت وسائل التواصل الاجتماعي جريمة قتل مروعة في منطقة الحتانة بأم درمان، حيث أُردي شاب قتيلاً برصاص مسلحين أثناء مقاومته لمحاولة نهب هاتفه المحمول، ما أثار موجة من الغضب الشعبي إزاء تفشي الجريمة المسلحة في المدن السودانية.

وتشير تقارير ميدانية إلى أن السلاح بات مشهدًا مألوفًا في شوارع المدن والقرى. حيث تُحسم الخلافات والمشاجرات عبر فوهات البنادق، بعد أن كانت تُحل سابقًا بالعصي أو الأيادي العارية. ويُقدّر عدد قطع السلاح المنتشرة في السودان بنحو 6 ملايين قطعة، وفق تقديرات غير رسمية، مقارنة بـ2.2 مليون قطعة قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023. ما يعكس تضاعف حجم التسليح الفردي تحت دعاوى الدفاع عن النفس.

وتباع الأسلحة في أسواق الخرطوم بشكل علني، حيث تُعرض على الأرض إلى جانب الخضروات، بأسعار تبدأ من 20 ألف جنيه سوداني فقط. وفقًا لشهادات مواطنين وقادة أمنيين، في ظل غياب الرقابة وتفكك مؤسسات الدولة.

ويرى خبراء قانونيون، من بينهم المعز حضرة، أن التسلح العشوائي يشكل تهديدًا بالغًا للأمن القومي، محذرين من وجود مجموعات مسلحة تُدرب خارج السودان وتُستخدم كأدوات لزعزعة الاستقرار الداخلي. ويطالب حضرة الجيش السوداني بتولي مسؤولية تدريب .وتأهيل هذه المجموعات داخل البلاد، لضمان ضبطها ضمن الأطر القانونية.

ورغم تصاعد مشاهد العنف، يقلل مسؤولون أمنيون من خطورة انتشار السلاح. معتبرين أن معظم الأسلحة بيد المواطنين جاءت بدافع الحماية الذاتية من هجمات قوات الدعم السريع أو العصابات المتفلتة. ويؤكد الناطق باسم الشرطة، العميد فتح الرحمن التوم. أن الحملات الأمنية مستمرة لمصادرة الأسلحة غير القانونية، وأن ما يحدث يُعد استثناءً في ظل ظروف استثنائية.

من جانبه، يرى العميد صلاح عبد الله أن جمع الأسلحة بعد نهاية الحرب سيكون “سهلًا جدًا”، نظرًا لوجود سجلات دقيقة وأرقام خاصة لكل قطعة سلاح تم صرفها للمستنفرين. فيما يؤكد اللواء مجاهد إبراهيم أن الحدود المفتوحة، خاصة من جهة الغرب. تُسهّل دخول الأسلحة بكميات ضخمة، في ظل غياب الضوابط وتهالك أجهزة الدولة.

ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن إعادة السلاح إلى مخازنه، بعد أن أصبح جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية في السودان؟ الإجابة لا تزال معلقة، في انتظار نهاية النزاع واستعادة مؤسسات الدولة لدورها في ضبط الأمن وحماية المدنيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى