أحداث

دعوة حمدوك للتفاوض: هل ينجح آخر جسر سياسي في وقف انهيار السودان؟


أطلق رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس تحالف “صمود” الدكتور عبدالله حمدوك نداءً عاجلاً يدعو فيه القوات المسلحة السودانية إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع قوات الدعم السريع، محذراً من أن استمرار العمليات العسكرية يفتح الباب أمام انهيار شامل للدولة وتحول البلاد إلى ملاذ للجماعات الإرهابية رغم إصرار قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على الحسم العسكري والثأر.
وجاءت دعوة حمدوك في خطاب موجّه إلى الشعب السوداني والمجتمعين الإقليمي والدولي، نشره عبر حساباته الرسمية، رسم فيه صورة قاتمة للوضع الإنساني والسياسي في السودان، مؤكداً أن البلاد “تواجه أخطر مرحلة في تاريخها الحديث” مع اقتراب الحرب من عامها الثالث. واعتبر أن وقف إطلاق النار الفوري والشامل بات ضرورة وجودية، وليس مجرد خطوة سياسية.

وقال حمدوك إن الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023 لم تعد مواجهة محصورة بين الجيش والدعم السريع، بل باتت “حرباً شاملة تستهدف الإنسان السوداني في حياته وكرامته وهويته”. وأشار إلى أن ملايين المواطنين يعيشون اليوم أوضاعاً تتجاوز حدود الكارثة، منبهاً إلى أن مئات الآلاف يُقتلون ويُشرّدون شهرياً فيما تحولت مدن كبرى مثل الخرطوم ودارفور وكردفان إلى ساحات مدمرة بعد أن كانت مراكز حيوية للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح أن مؤسسات الدولة انهارت أو تعطلت بشكل شبه كامل، تاركة السودانيين في مواجهة معركة يومية للحصول على الغذاء والماء والدواء، وهي احتياجات باتت نادرة بسبب الحصار، وانهيار شبكات الإمداد، وغياب الأمن في الطرق الرابطة بين المدن.
وشدد على أن تقارير حقوقية مستقلة وثقت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مناطق مختلفة، من بينها القتل على الهوية، واستخدام الغذاء كسلاح، وانتشار العنف الجنسي، إضافة إلى قصف جوي عشوائي طال منازل وأسواقاً ومستشفيات ومساجد. كما تحدث عن تقارير “مقلقة” بشأن استخدام أسلحة محظورة، وعمليات تهجير قسري، وإتلاف الوثائق الثبوتية لمجموعات سكانية بهدف الإقصاء.
وأضاف أن السودان يقف على حافة مجاعة واسعة النطاق، بعدما أدى الحصار وانقطاع خطوط الإمداد إلى نقص حاد في الغذاء، فيما وصلت معدلات الجوع إلى مستويات “تهدد حياة ملايين الأطفال والنساء وكبار السن”. ورأى أن استمرار القتال يضع البلاد على مسار انهيار اجتماعي واقتصادي طويل الأمد، ويخلق جيلاً محروماً من التعليم والرعاية الصحية، ما يجعل السودان بيئة خصبة لتمدد التنظيمات المتطرفة.
وطالب حمدوك القوات المسلحة السودانية أن تبادر، أسوة بما أعلنه الدعم السريع، بقبول جهود الوساطة والجلوس إلى طاولة التفاوض دون شروط مسبقة. وقال إن “لا منتصر في هذه الحرب”، وإن استمرار التحريض على القتال هو “مشاركة مباشرة في قتل الأبرياء”. ودعا الجيش والدعم السريع إلى الاستماع لصوت ملايين النازحين والجوعى والمصابين ممن دفعوا الثمن الأكبر لهذه الحرب.
وتأتي هذه الدعوة في وقت لا يزال فيه البرهان متمسكاً بالخيار العسكري، مؤكداً في خطابات سابقة أن الحسم هو الطريق الوحيد لإنهاء “تمرد الدعم السريع”. وقد كرر البرهان مراراً رفضه لأي مفاوضات مع قوات الدعم السريع قبل انسحابها من المدن وتسليم قياداتها للمحاسبة.
وأعرب حمدوك عن تقديره لخارطة الطريق التي قدمتها الآلية الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر)، معتبراً أنها أعادت “بارقة أمل” بوقف نزيف الدم. ودعا إلى توحيد المبادرات الدولية والإقليمية تحت مظلة واحدة، واتخاذ خطوات عملية تشمل وقفاً فورياً وغير مشروط لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتأمين العاملين في المجال الإغاثي، وتعبئة التمويل اللازم لمواجهة الانهيار الغذائي والصحي.
كما شدد على ضرورة حماية المدنيين من خلال وقف القصف العشوائي وفتح ممرات آمنة للتحركات الإنسانية، والتحقيق في الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، إلى جانب إطلاق عملية إنسانية عبر الحدود للوصول إلى المناطق المحاصرة، وإنشاء آلية إغاثية إقليمية خاصة بالسودان بإشراف الأمم المتحدة.
وأكد حمدوك أن وقف الحرب ليس النهاية، بل “مدخل لا بد منه” لإطلاق عملية سياسية شاملة تستند إلى مبادئ ثورة ديسمبر “الحرية والسلام والعدالة”، وتضمن بناء دولة قادرة على حماية مواطنيها وترسيخ سيادة القانون. وأشار إلى أن السودان يمتلك المقومات اللازمة للنهوض من جديد شرط توافر الإرادة الوطنية ودعم المجتمعين الإقليمي والدولي.
وتستمر الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023 مخلفة عشرات الآلاف من القتلى ونحو 13 مليون نازح ولاجئ، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. كما تشهد مدينة الفاشر منذ أكتوبر 2025 مواجهات عسكرية ضارية وسط تقارير عن انتهاكات واسعة بحق المدنيين، وتحذيرات متزايدة من مخاطر تقسيم فعلي للبلاد إذا استمر الجمود العسكري والسياسي.
وفي ختام خطابه، دعا حمدوك القوى السياسية والمجتمع الدولي إلى “التحرك قبل فوات الأوان”، مؤكداً أن السودان يقف اليوم أمام مفترق طرق، وأن الخيار بين السلام والانهيار الكامل “لم يعد يحتمل الانتظار”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى