خسائر متسارعة للجنيه السوداني.. أسبابها وتوقعات 2026
نادراً ما تتجلى هشاشة الاقتصادات التي تعيش على هامش النظام المالي العالمي كما تتجلى اليوم في السودان، حيث تحوّل سعر الصرف إلى مرآة تعكس تداخل العنف السياسي مع الاختلالات النقدية العميقة.
تواصل العملة السودانية خسائرها في الأيام الأخيرة من 2025، في مؤشر واضح على اقتصاد يواجه ضغوطًا مركبة من اضطراب سياسي ممتد وخلل نقدي عميق، بينما تترسخ السوق الموازية كمحدد فعلي لأسعار الصرف.
وتُظهر بيانات 26 ديسمبر تداول العملات الأجنبية عند قمم تاريخية، مع ارتفاعات طفيفة في اليورو والريال القطري والجنيه المصري. ويعكس اتساع الفجوة بين سعري البيع والشراء توقعات بمزيد من التراجع، مدفوعة بزيادة الطلب الموسمي على النقد الأجنبي قبل رمضان وارتفاع فاتورة الواردات الغذائية.
وسجل الدولار نحو 3750 جنيهًا للبيع و3665 جنيهًا للشراء، في وقت حافظت فيه العملات الخليجية على اتجاهات صعودية بدعم من السفر والتحويلات. كما واصل اليورو والجنيه الإسترليني تسجيل مستويات مرتفعة، ما يؤكد ضعف الجنيه السوداني أمام سلة واسعة من العملات.
وتتزامن هذه التحركات مع اتساع رقعة النزاع خلال 2025، ما أدى إلى تراجع القوة الشرائية وارتفاع أسعار السلع الأساسية واتساع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي. وتشير تقارير دولية إلى أن السوق الرسمية فقدت دورها المرجعي، ما دفع المستوردين للاعتماد الكامل على السوق الموازية في التسعير.
وتفاقمت الضغوط مع تراجع التحويلات الخارجية بنحو 70% منذ تصاعد النزاع، إضافة إلى انخفاض الصادرات الزراعية والمعدنية بسبب تعطل سلاسل الإمداد. وأسهم ذلك في تقلص تدفقات النقد الأجنبي وزيادة الاعتماد على الواردات الغذائية في وقت تتراجع فيه القدرة على تمويلها.
وتشير التقديرات الأممية إلى أن السودان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا خلال 2025، مع تدهور الإنتاج الزراعي وارتفاع مستويات النزوح. كما يواجه البنك المركزي تحديات كبيرة في إدارة السيولة، بعد توسع تمويل العجز عبر إصدار العملة المحلية، ما زاد من الضغوط التضخمية.
وتقدّر مؤسسات مالية دولية أن الجنيه فقد ما بين 80% و90% من قيمته منذ اندلاع النزاع، في سياق اقتصادي بات أقرب إلى نموذج “اقتصاد الحرب”، حيث تتداخل الأنشطة غير الرسمية مع مسارات التهريب والسيطرة على الموارد.
ومع اقتراب 2026، تشير الاتجاهات الحالية إلى استمرار الضغوط على أسعار الصرف في غياب تحسن في تدفقات النقد الأجنبي أو انفراج سياسي، ما يجعل إدارة المخاطر والتخطيط المالي عنصرين حاسمين للأسر والشركات في المرحلة المقبلة وسط توقعات بتخطي سعر الدولار 5000 جنيها خلال الربع الاول من العام المقبل في ظل استمرا الحرب.




