أحداث

حكومة في بورتسودان وأخرى في الخرطوم بعد تعثر مسار جنيف


وضع تعثر مفاوضات جنيف مستقبل السودان في خطر أشد صعوبة بعد تراجع الرهان على الحلول التفاوضية، والاتجاه نحو المزيد من الاقتتال والمعارك في مناطق متعددة، وسعي كل من الجيش وقوات الدعم السريع لتعزيز سيطرته على المناطق التي يتواجد فيها لتثبيت شرعيته، في تكرار لما حدث في ليبيا.

وتحدث قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان بعد ساعات من انتهاء مفاوضات جنيف عن “تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة الفترة الانتقالية”، تنطلق من مكان تواجد هياكل الحكومة الحالية في مدنية بورتسودان بشرق البلاد، ضمن سياق بدت فيه رغبة الجيش قوية للانخراط في المزيد من المعارك دون النظر إلى الجهود التي تحاول منعه من المضي قُدمَا في هذا الاتجاه الذي يضع بذور تقسيم البلاد.

ولوّح الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع السبت بإعلان حكومة موازية في العاصمة السودانية الخرطوم، مشيراً في تغريدة له على منصة إكس إلى أن تعنت قيادات الجيش ورفضها للتفاوض وترجيح خيار التصعيد والحرب قد يؤدي إلى إعلان حكومة في الخرطوم، وأن كل الخيارات مفتوحة الأسابيع القادمة.

وذكر طبيق أن الحكومة ستتطلع بدورها تجاه حماية المدنيين ونزع الشرعية من رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وفتح علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول، وعقد صفقات لشراء طائرات حربية وأنظمة دفاع جوي متطورة لتحييد طيران الجيش، عطفا على تأسيس نظام مصرفي في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.

وتبرهن هذه التصريحات أن مسارات التسوية القائمة على أسس الحفاظ على وحدة السودان تتراجع، مقابل تصاعد نعرات تثبيت الهياكل السياسية والعسكرية وفقا للوضع الجغرافي السائد حاليا، وأن مخاوف التقسيم التي ظهرت عقب اندلاع الحرب  في منتصف أبريل من العام الماضي تطفو على السطح بقوة في الوقت الحالي.

وكان ذلك دافعا للضغط الذي مارسته قوى إقليمية على البرهان للانخراط في مفاوضات جنيف كفرصة ثمينة من أجل الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وانطلقت اجتماعات جنيف التي دعت لها الولايات المتحدة في الرابع عشر من أغسطس الجاري وانتهت في الثالث والعشرين منه، بحضور وفد الدعم السريع ومقاطعة وفد الجيش، كمحاولة لحلحلة التعقيدات قبل الانتقال لأسس تفاوضية جديدة.

وأسهم غياب وفد الجيش وعدم القدرة على تنفيذ مخرجات إعلان جدة وفشل الضغوط الدولية في الدفع نحو وقف القتال، في تمدد الصراع ووجود صعوبة في العودة إلى الهدوء، ما يخدم قوى محسوبة على الحركة الإسلامية والتي ليس لديها مانع في تقسيم السودان في سبيل التواجد على رأس سلطة تحكم منطقة جغرافية  محدودة.

وحذر القيادي بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) خالد يوسف عمر من انزلاق السودان إلى خطر التقسيم، لافتا على حسابه على فيسبوك إلى وجود معالم لهذا الخطر، وأن العالم يتعامل فعليا مع ما يُسمّى بمناطق سيطرة الجيش ومناطق سيطرة الدعم السريع، ومناطق سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، ومناطق سيطرة حركة تحرير السودان، وتعمل بصورة مستقلة ووفق نظم إدارة خاصة بها.

وأضاف أنه مع سعي مجموعة بورتسودان “الشره” نحو اكتساب شرعية تمثيل الدولة وادعاء أنها تمثل حكومة السودان الشرعية، ستبرز حكومات أخرى تنازعها الشرعية بلا شك، وأن استبعاد خيار التشظي يغالط تاريخنا الخاص وتجارب الإقليم الشبيهة.

وعلق في أذهان الكثير من السودانيين استعانة حكومة طرابلس في ليبيا بظهير إقليمي لتثبيت أركانها، وأن ذهاب وزير الدفاع السوداني إلى روسيا تزامنا مع انعقاد مفاوضات جنيف أوحى بأن موسكو يمكن أن تلعب دورا داعما لتظل حكومة الأمر الواقع قابعة في السلطة، رغم معارضة الشعب السوداني للانقلاب الذي وقع في 25 أكتوبر 2021، وسط مخاوف من أن تتحول الأزمة إلى صراع بين العديد من القوى الإقليمية.

وقال المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إن الوضع يختلف عن ليبيا في بعض التفاصيل، لأن الجيش أو قوات الدعم السريع ليس لديهما القدرة على تشكيل حكومات في مناطق سيطرتهما في ظل رفض شريحة كبيرة من المواطنين لمسار الحرب والتوافق على إنهائها والعودة إلى المسار الديمقراطي الذي جرى التفاهم حوله عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.

وأضاف أن طبيعة المكونات الاجتماعية والأهلية والسياسية في السودان ترفض الاعتراف بحكومة الأمر الواقع التي جاءت على أنقاض انقلاب 25 أكتوبر، وتمانع استحداث أخرى تتولى إدارة المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وليس هناك شرعية أو مشروعية لأيّ تحرك سياسي حاليا، طالما أنه لا يوجد اتفاق على وقف الحرب، وعلى مسارات العمل السياسي المستقبلية، ولا توجد قوانين أو دستور يمكن أن تستند عليه أيّ حكومات يتم الإعلان عنها.

واستبعد عبدالواحد أن تحظى أيّ حكومة جديدة باعتراف المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وأن التعامل مع الحكومة الحالية في بورتسودان كونها حكومة الأمر الواقع، والدليل على ذلك أن المجتمع الدولي أصر على أن يرسل البرهان وفدا ممثلا للجيش إلى جنيف وليس وفدا من الحكومة السودانية.

وشدد المحلل السوداني على  أن الطرف الذي ستكون لديه علاقات أقوى مع المجتمع الدولي قد يتم الاستماع إليه على نحو أفضل، وتصبح فرصه أكبر في إقناع الأطراف الخارجية بتوجهاته وخطواته.

وقال قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في تغريدة عبر منصة إكس السبت “إننا نؤكد على التزامنا الكامل بتعهداتها في اجتماع سويسرا، وعلى رأسها الاستجابة لنظام الأخطار المبسّط لتسهيل تقديم المساعدات، وبذل كل الجهد لتحقيق ما يخفّف آثار الكارثة على الشعب السوداني المكلوم بسبب هذه الحرب”.

ولدى العديد من السودانيين قناعة بأن الحرب وجدت رئة جديدة سوف تقود إلى إطالة أمدها، مع فشل مفاوضات جنيف، والارتكان على إيصال المساعدات الإنسانية كحل أقصى ما يمكن تحقيقه على الأرض الآن، وسط توقعات بأن تتجه الأطراف الساعية إلى استمرار الصراع في البحث عن قدرات إضافية تدعم الجوانب العسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى