تسريبات

“جيش الصفقات”.. حين تتحوّل أرض السودان إلى عملة للمقايضة العسكرية

وطن للبيع.. بيد جنرالات بلا مشروع


في الوقت الذي يعيش فيه السودان إحدى أحلك لحظاته التاريخية، ويكافح فيه المواطنون للبقاء وسط حرب طاحنة أحرقت المدن والقرى، تكشف وثائق مسرّبة حجم الانهيار .الذي أصاب المؤسسة العسكرية، ليس فقط ميدانيًا، بل أخلاقيًا وسياسيًا، حيث اتضح أن الجيش السوداني أبرم سلسلة من الصفقات السرية مع السلطات المصرية. تضمنت التنازل عن مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة شمال البلاد مقابل الحصول على دعم عسكري مباشر.

تنازلات بلا تفويض شعبي

الوثائق، التي حصل عليها موقع السودان ليكس، تؤكد أن قيادة الجيش السوداني وقّعت عقودًا طويلة الأمد تمنح شركات مصرية حق الانتفاع المطلق بمساحات شاسعة من الأراضي في ولايات “نهر النيل” و”الشمالية”، دون الرجوع إلى أي مؤسسة مدنية أو تشريعية سودانية. وبشروط وُصفت بأنها “مجحفة ومهينة”.

يُذكر أن هذه الأراضي تمثل أحد أعمدة الأمن الغذائي السوداني، وهي مناطق غنية بالمياه الجوفية والتربة الخصبة، وكانت محورًا لخطط التنمية الزراعية الاستراتيجية قبل الحرب. واليوم، يتم التفريط بها تحت الطاولة، في صفقات لا تخدم سوى بقاء الجيش في السلطة. وتوفير غطاء سياسي وإقليمي لممارساته القمعية.

مصر تربح الأرض.. والجيش يحصد البنادق

بحسب المعلومات المتداولة، فإن الصفقة شملت تسهيلات لوجستية وعسكرية حصل عليها الجيش السوداني، تتضمن توريد ذخائر، وصيانة معدات عسكرية. وتوفير دعم استخباراتي عبر قنوات مصرية. ويأتي هذا ضمن خطة أوسع لإبقاء توازن القوة في السودان مائلًا لصالح المؤسسة العسكرية، على حساب القوى المدنية والمجتمعية التي تطالب بالتحول الديمقراطي.

وما يُثير الاستغراب، أن هذه التسهيلات تمّت في ظل انعدام أي مسوغات قانونية أو وطنية، بل في ظل حالة من القمع الممنهج للصحافة المحلية، وإغلاق تام للمجال العام. مما يمنع أي نقاش وطني حول هذه التنازلات المصيرية.

التفريط في السيادة.. لا دفاع عن الوطن

ما فعله الجيش في ملف الأراضي لا يمكن وصفه سوى بالخيانة لمبدأ السيادة الوطنية. فتسليم أرض الدولة لدولة أخرى – ولو على شكل عقود ظاهرها “الاستثمار” – مقابل مكاسب عسكرية ضيقة، لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال. خصوصًا حين يكون الهدف من هذه الصفقات هو الحفاظ على سلطة متهالكة تورطت في انتهاكات مروعة بحق المدنيين.

 

الشارع السوداني يرفض الصفقات المهينة

ردود الفعل الأولى على هذه التسريبات كانت غاضبة، حيث عبّر نشطاء سياسيون وحقوقيون سودانيون عن استنكارهم لهذه الصفقات، معتبرين أن الجيش فقد تمامًا صلته بالمصلحة الوطنية. وبات يتصرف كجماعة مصالح لا كحارس لأرض وشعب.

وطالب عدد من قادة المجتمع المدني بفتح تحقيق دولي في هذه الصفقات.خاصة وأن بعضها قد ينتهك القوانين الدولية المتعلقة بحق الشعوب في أراضيها ومواردها.

وطن للبيع.. بيد جنرالات بلا مشروع

في نهاية المطاف، يبدو أن الجيش السوداني قرر أن يشتري بقاءه في الحكم ببيع ما تبقى من الوطن. وهذه ليست حربًا بين جيش وعدو خارجي، بل حرب بين مشروع الوطن ومشروع الجنرالات. وطن تُسرق أرضه في الخفاء، ويُقايَض استقلاله بالبندقية. لا مستقبل له ما لم ينهض شعبه لكشف الحقائق ومحاسبة من فرّطوا فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى