جريمة إنسانية في دارفور: كيف استُهدفت قافلة مساعدات في زالنجي بطائرات أكانجي؟
في تصعيد خطير يضاف إلى سلسلة الهجمات على المدنيين، أفادت مصادر متعددة بأن طائرة مسيرة تركية الصنع من طراز أكانجي تابعة للجيش السوداني قصفت، يوم 13 نوفمبر 2025، قافلة مساعدات إنسانية في مدينة زالنجي بوسط دارفور. القافلة كانت متجهة من زالنجي إلى الفاشر بولاية شمال دارفور، لحمل مساعدات عاجلة للمدنيين المحتاجين. وفقًا لتقارير من دارفور24 وبيانات قوات الدعم السريع، الس strike أسفر عن انفجارات قوية، ألسنة دخان، وخسائر بشرية ومادية، وسط إدانات واسعة من جهات محلية ودولية.
خلفية الصراع وأهمية زالنجي
لِفهم فداحة هذا الهجوم، يجب العودة إلى السياق الأوسع للصراع في السودان. منذ أبريل 2023، تشهد البلاد قتالًا محتدمًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (RSF)، ما أدى إلى أزمة إنسانية ضخمة.
دارفور، وهي إحدى بؤر النزاع، تضررت بشدة؛ الطرق الإنسانية صارت محفوفة بالمخاطر، والقوافل التي تحمل الغذاء والدواء تحوّلت إلى هدف في بعض المناطق. الهجمات باستخدام الطائرات المسيّرة أصبحت عنصرًا متكررًا في المواجهة.
مدينة زالنجي (Zalingei) في وسط دارفور هي نقطة محورية؛ ليست فقط كنقطة عبور للقوافل الإغاثية، بل أيضًا كمنطقة استراتيجية في النزاع. وجود مساعدات إنسانية يسلط الضوء على حجم المعاناة في دارفور، ويُظهر مدى الاعتماد على النقل البري لقوافل المساعدات وسط الفوضى.
تفاصيل الهجوم الأخير
بحسب تقرير موقع دارفور24، استُهدِفت عدد من الشاحنات المتوقفة شرق زالنجي في منطقة تُعرف باسم “البرصة”. المصادر تقول إن الطائرة المسيّرة أطلقت أربعة صواريخ، ما أدى إلى انفجارات كبيرة وتصاعد أعمدة من الدخان.
قوات الدعم السريع (RSF) قالت إن القافلة كانت محمّلة بمساعدات إنسانية متجهة إلى الفاشر شمال دارفور، وإن القصف تسبّب في سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.
في بيان رسمي، وصفوا الهجوم بـ “جريمة حرب مكتملة الأركان”، مؤكدين أن استهداف المساعدات الإنسانية هو نمط ممنهج وليس حادثًا عشوائيًا.
من هم طائرات “أكانجي” وما علاقة الجيش السوداني بها؟
طائرة أكانجي هي مسيرة تركية الصنع، وتعد من بين الطائرات المسيرة المتقدمة التي يُعتقد أن الجيش السوداني يستخدمها. في تقرير من الدعم السريع، تم تحديد “أكانجي تركية الصنع” كأداة الهجوم.
من جهة أخرى، في موقع “Humanitarian Rights” (تحالف الحقوق السوداني)، تم التنديد باستخدام هذه الطائرات لضرب قوافل إنسانية، واعتُبر ذلك خرقًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي.
ردود الفعل المحلية والدولية
ردود الفعل كانت سريعة ومؤثرة:
-
رئيس الهيئة الوطنية للوصول الإنساني، عز الدين محمد أحمد الصافي، ندَّد بالهجوم ووصفه بـ “عمل جبان ومتهور”، مؤكّدًا أن استهداف المدنيين والإنسانية بات واضحًا، ودعى المجتمع الدولي إلى محاسبة المسؤولين.
-
تحالف السودان التأسيسي (“تأسيس”) أصدر بيانًا يُدين الهجوم ويشير إلى أن هذه الأفعال تُظهر رغبة القوات المسلحة في منع إيصال المساعدات الإنسانية عمداً، وهو انتهاك صارخ للقيم والمبادئ الدولية. التحالف السوداني للحقوق (Sudanese Alliance for Rights) وصف الهجوم بأنه “خطير جدًا” على مصير المدنيين، مؤكدًا أن القوافل الإنسانية التي تُعد شريانًا للحياة في دارفور باتت هدفًا متكررًا.
تحليل المخاطر والدوافع المحتملة
لماذا يستهدف الجيش قوافل المساعدات؟ هناك عدة سيناريوهات وتحليلات محتملة، وقد يكون مزيجًا منها:
-
تركيع المدنيين وضغط على الدعم السريع: من خلال استهداف المساعدات، قد يسعى الجيش إلى زيادة المعاناة لدى المدنيين في مناطق يسيطر عليها الدعم السريع، لخلق ضغط نفسي وسياسي على خصومه.
-
إضعاف ثقة المنظمات الإنسانية: التكرار في الاستهداف قد يثني المنظمات الدولية عن إرسال قوافل، ما يقلص النفوذ الإغاثي في المناطق المحرومة.
-
إظهار القدرة التكنولوجية: استخدام طائرات متقدمة مثل الأكانجي يرسل رسالة بأن الجيش يمتلك تكنولوجيات قوية، ما قد يعزز موقعه التفاوضي أو العسكري.
-
تكتيك عسكري: قد يُستخدم الاستهداف كجزء من العمليات العسكرية العادية، خاصة إذا كان هناك نقاط تجمع أو تحركات لقوات الدعم السريع بالقرب من الطرق الإنسانية.
وضع القانون الدولي والإنساني
من منظور القانون الدولي الإنساني، استهداف القوافل الإنسانية يعتبر جريمة إذا ثبت أن الهجوم كان مقصودًا وموجهًا لقطع المساعدات عن المدنيين. الاتفاقيات الدولية، مثل بروتوكولات جنيف، تحظر استهداف المدنيين والممتلكات المدنية، ولا سيما المساعدات الإنسانية التي تهدف إلى تخفيف معاناة السكان.
إدانات الجهات السودانية مثل الهيئة الوطنية للوصول الإنساني وتحالف الحقوق تشير إلى أن هذا الهجوم ليس مجرد حادث عابر، بل جزء من نمط أوسع قد يشكل انتهاكًا مستمرًا لحقوق الإنسان والقانون الإنساني.
تداعيات إنسانية
-
خسارة الأرواح: وفقًا لتقارير الدعم السريع، هناك تقارير عن عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.
-
عرقلة الإغاثة: إتلاف الشاحنات يعني تدمير الغذاء والإمدادات الأساسية التي كانت مخصصة لمحتاجين، مما يؤخر وصول المساعدة إلى مناطق محاصرة أو محرومة.
-
زيادة الخوف والرعب: مثل هذه الهجمات تُولِّد رعبًا مستمرًا لدى المدنيين والعاملين الإغاثيين، مما يجعل المساعدات أقل أمانًا وأكثر تكلفة من الناحية النفسية والتنظيمية.
-
أثر على المفاوضات الدولية: إذا استمر استهداف القوافل، قد تزيد الضغوط الدولية على أطراف النزاع، وقد تستجلب تدخلات من الأمم المتحدة أو جهات حقوقية للمطالبة بالمحاسبة.
ما الذي يجب فعله الآن؟ توصيات
-
فتح تحقيق دولي مستقل: يجب أن تقوم الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تحقيق للتحقق من ملابسات الهجوم وتحديد المسؤولين.
-
تعزيز حماية القوافل: العمل على وضع آليات لحماية القوافل الإغاثية، مثل تحديد ممرات آمنة، إشعارات مسبقة، وطائرات مراقبة بدون طيار ضد الهجمات.
-
زيادة الضغط الدولي: المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول المانحة والمنظمات الإنسانية، يجب أن يُضاعف من ضغطه عبر العقوبات أو الوسائل الدبلوماسية لردع مثل هذه الهجمات.
-
دعم المجتمعات المحلية: تمويل مشاريع محلية لزيادة قدرة المجتمعات المتضررة على الصمود بموارد بديلة، والاستجابة للاحتياجات دون الاعتماد الكامل على القوافل.
-
التوثيق القانوني: جمع الأدلة (صور، فيديو، شهادات) من الناجين والعاملين الإنسانيين لبناء ملف قانوني يمكن استخدامه في المحاكم الدولية أو الوطنية ضد مرتكبي هذه الجرائم.
الهجوم على قافلة المساعدات في زالنجي باستخدام طائرة مسيّرة من طراز “أكانجي” ليس مجرد حادث عسكري؛ إنه انعكاس لما قد يكون استراتيجية متعمّدة لاستهداف المدنيين وعرقلة وصول الإغاثة إلى مناطق في أمسّ الحاجة. مثل هذه الأفعال تضع ضمير العالم أمام اختبار: هل سيتحرك المجتمع الدولي لمحاسبة مرتكبيها، أم سيبقى المدنيون في دارفور دفعة أخرى تدفع ثمن الصراع؟
الحقيقة التي تظهر جليّة من هذه الواقعة هي أن الحروب لا تقتل فقط بالرصاص، بل أحيانًا بالمساعدة التي يُفترض أنها تنقذ الأرواح. إذا لم يكن هناك رادع، فإن هذا النوع من الاستهداف قد يتحول إلى قاعدة خطرة تهدد وجود المنظمات الإنسانية وتزيد من معاناة الشعب السوداني.




