تحقيقات

تعيين مثير للجدل في الخرطوم.. محامي البشير يتسلم حقيبة العدل


أثار قرار رئيس الوزراء السوداني المعيّن، كامل إدريس، بتعيين عبدالله درف وزيراً للعدل، عاصفة من الانتقادات الشعبية والسياسية. وفتح باباً واسعاً للجدل حول نوايا السلطة الانتقالية في السودان، خاصة في ما يتعلق بعلاقتها مع رموز النظام السابق، التي أسقطتها ثورة شعبية قبل سنوات.

درف، الذي يعدّ من الوجوه المعروفة في حزب المؤتمر الوطني، الحاكم السابق في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، شغل سابقاً موقعاً بارزاً في هيئة الدفاع عن البشير وعدد من قيادات النظام. أثناء محاكماتهم بعد سقوط النظام. ويُنظر إلى تعيينه في منصب عدلي حساس كإشارة واضحة إلى محاولات إعادة تمكين وجوه النظام السابق، وهو ما يثير مخاوف قطاع واسع من الشارع السوداني .الذي ما زال يدفع ثمن تحركاته الثورية في مواجهة الاستبداد.
وقرار تعيينه بحسب مراقبين ومحللين، لا يمكن فصله عن محاولة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان كسب ولاء التيار الإسلامي والقيادات التي كانت فاعلة خلال حقبة البشير. ويأتي ذلك ضمن مسار سياسي واضح المعالم، يشير إلى سعي القيادة العسكرية الحالية لبناء تحالفات تؤمن لها الاستمرار في السلطة. ولو على حساب تطلعات الشارع، ومطالب قوى الثورة السودانية.

ويقول معارضون للسلطة الحالية ان تعيين درف يمثل خيانة واضحة لتضحيات السودانيين الذين أسقطوا نظام البشير بعد سنوات من القمع والفساد. حيث يرون أنه لا يمكن لأي حكومة تقول إنها انتقالية، أن تعيد رموز القمع إلى سدة القرار، خصوصاً في قطاع حساس كالعدل.
ويؤكدون أن هذا التعيين يعيد البلاد إلى المربع الأول. ويشكك في نوايا السلطة تجاه العدالة الانتقالية، التي أصبحت اليوم عرضة للتجميد أو التلاعب السياسي.

وقرار تعيين درف جاء أيضاً في توقيت بالغ الحساسية، وسط استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي اتهمت مراراً قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بعقد تحالفات ميدانية وسياسية مع قيادات إسلامية ورموز النظام السابق، في محاولة لاستعادة السيطرة على البلاد من بوابة دعم التيار الإسلامي.
ويبدو أن هذه الاتهامات بدأت تجد ما يدعمها فعلياً على الأرض، مع سلسلة قرارات وتعيينات تشير إلى إعادة تدوير وجوه قديمة. ما يعزز رواية الدعم السريع حول “تحالف المصلحة” بين المؤسسة العسكرية وبعض قوى الإسلام السياسي.
وكانت تقارير متعددة قد أشارت في وقت سابق إلى لقاءات غير معلنة بين شخصيات عسكرية وعناصر قيادية في نظام البشير، سواء داخل السودان أو عبر وسطاء إقليميين. بهدف تشكيل جبهة سياسية جديدة تساند الجيش في صراعه ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وفي السياق ذاته، بدا أن رئيس الوزراء المعيّن، كامل إدريس.رضخ أيضاً لضغوط الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء “القوة المشتركة” المتحالفة مع الجيش، حيث أبقى على وزرائها في التشكيلة الجديدة. وعلى رأسهم جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة. الذي حافظ على حقيبة المالية رغم الانتقادات الموجهة لأدائه منذ توليه المنصب.
ويرى مراقبون أن إدريس يجد نفسه محاصراً بين ضغوط المؤسسة العسكرية من جهة. وقوى مسلحة وشبه سياسية تسعى لضمان مواقعها في السلطة من جهة أخرى. ما يضعف موقعه كرئيس وزراء يُفترض أن يقود مرحلة انتقالية تحظى بشرعية شعبية.

ويرى الشارع السوداني، الذي لا يزال يعاني من تداعيات الحرب والانهيار الاقتصادي، في تعيين درف خطوة إلى الوراء. ومحاولة واضحة لطي صفحة الثورة وتبني خطاب المصالحة مع النظام القديم. دون أي اعتراف بحجم الانتهاكات التي وقعت في عهده أو احترام لمطالب القصاص والعدالة.
وبالمحصلة، تعكس قرارات التعيين الأخيرة المأزق الذي تعانيه السلطة الانتقالية في السودان، بين محاولات ترضية مراكز القوة التقليدية. وبين عجزها عن بناء ثقة حقيقية مع الشارع، أو تقديم مشروع وطني جامع.
وفي ظل الانقسام السياسي، والحرب المستمرة. وانعدام أفق المصالحة الوطنية الشاملة، يبدو أن السودان ينزلق تدريجياً نحو سيناريو يعيد إنتاج منظومة ما قبل الثورة. لكن في ظروف أكثر هشاشة وتعقيداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى