تأثير الإخوان المسلمين على القوات المسلحة السودانية
تشهد الساحة السودانية تصاعدًا مقلقًا للأزمة السياسية والإنسانية، في ظل اتساع دائرة الصراعات وتعقيداتها في السودان، ما يعكس خطورة الأزمة وتأثيراتها السلبية على السكان المدنيين، مما أدى إلى نزوح الآلاف وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
وجذور ما يجري في السودان تمتد للجماعات الإسلامية الإخوانية المتورطة في الصراع السياسي، ولا بد من إدراك أن الجيش السوداني جزء من الدولة السودانية كما هو حال الدعم السريع، وقبل الأزمة كان محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائباً لعبدالفتاح البرهان ضمن مجلس السيادة السوداني، وحميدتي والبرهان يتبادلان في الوقت الراهن الاتصالات والزيارات مع القوى الأممية والدولية والإقليمية المؤثرة. لذلك، من غير المنطقي أن تحل الأزمة بإقصاء طرف على حساب طرف، فكلا الطرفين يمثل كيانا عسكريا، كان ضمن دائرة السلطة حتى اندلعت الأزمة.
وليس بغريب على جماعة الإخوان التسبب في تأجيج الصراعات وزعزعة الاستقرار، فهذا هو ديدن التنظيم الظلامي الذي يحقق أجنداته من خلال جميع الأساليب ولو كانت عبر الكذب والافتراء، وهو ما يفسر دفع الكيانات الإخوانية المتغلغلة في السلطة إلى ترويج أكاذيب ملفقة ومضللة دون أي أدلة أو براهين حول دور دولة الإمارات في السودان، رغم الدعم الإماراتي الواسع للسودان على الصعيد السياسي والإنساني والتنموي، ما يجعل الرواية الإخوانية بعيدة عن الصحة! خصوصاً أن الإمارات تعتبر رائدة في مجال مكافحة الإرهاب.
ولننظر للتأثير السلبي للجماعات الإسلامية خصوصاً الإخوان على الساحة السياسية والمجتمعية في السودان، فجل اهتمام الإخوان هو الصعود للسلطة بأي وسيلة ممكنة، بهدف تنفيذ أجنداتهم التخريبية المشبوهة، والتأثير في القرارات الحكومية وعلى السياسات العامة، وهو ما يتكرر في الأزمة الراهنة مع تسلل أجنحة الإخوان إلى صفوف كيانات محورية في السلطة، وكأنها جزء من استراتيجية إخوانية واسعة، أو تكتيك لتعزيز نفوذهم وتحقيق أهدافهم السياسية.
ولهذا، من الصعب تحقيق توافق بين طرفي الصراع مع وجود عناصر إخوانية بين الأطراف المتنازعة، ما يفقد الثقة في عملية التوصل إلى اتفاق شمولي، فدون أدنى شك سيسعى الإخوان إلى تعطيل وتعقيد عملية المفاوضات، طالما تضاربت أهداف الحلول السلمية مع أهداف التنظيم.
ونستطيع قياس هذه الحالة الإخوانية عندما نتابع بعض الأصوات الرسمية وغير الرسمية في السودان التي تحمل تصريحات وبيانات وتحركات تصعيدية تجاه الإمارات، ما يعكس عجز هذه الأطراف عن حسم الصراع لصالحها، ومحاولة الهروب من الأزمة عبر تصدير أزماتها ومشاكلها إلى الخارج، ولو كانت على حساب دولة متفوقة على كل الصعد والمقاييس بوزن دولة الإمارات، وتعد من أكبر الداعمين للشعب السوداني، إلا أن هذه الأصوات المشبوهة تريد تحويل الانتباه عن القضايا الداخلية، وتبرير أوجه الضعف والفشل، ومحاولة التغطية على قضايا مثل الانتهاكات لحقوق الإنسان، أو الفساد، أو الانقسامات الداخلية.
كما للمشكلة الأزلية الهوياتية في السودان دور كبير في الأزمة الراهنة. فعلى مدار الحكومات المتعاقبة، فشلت محاولة إدارة التنوع في البلاد، حيث يتنوع الشعب السوداني باللغات واللهجات والثقافات المختلفة، وتشكل القبائل العربية مجموعة عرقية كبيرة مما يتطلب الاندماج الوطني، وما جرى في السودان عبر تاريخه من صراعات مستمرة في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بسبب التهميش، وتأثير الجماعات الإسلامية على سياسات الدولة، وعدم توزيع الموارد والأراضي على مختلف أطياف الشعب بشكل عادل يعكس الضعف الكبير والمستمر في إدارة التنوع الثقافي والعرقي، مما أدى إلى تفاقم الصراعات الداخلية واندلاع الحروب الأهلية.
موقف الإمارات واضح في الحياد بين طرفي الصراع، والاستمرار في جهودها الإنسانية لتخفيف معاناة الشعب السوداني الشقيق، وآخرها التعهد بتقديم دعم مالي بقيمة 100 مليون دولار أمريكي للجهود الإنسانية في السودان ودول الجوار، وافتتاح “مستشفى الإمارات الميداني” في تشاد لتقديم الخدمات الطبية للنازحين السودانيين، والتأثير المباشر على مختلف المستويات السياسية والدبلوماسية بهدف تجديد الدعوة للحوار، والبحث عن حلول سلمية وشاملة ومستدامة للأزمة، عبر مختلف المبادرات السياسية لحل الأزمة في السودان، لا سيما “مشاورات جدة” و”مؤتمر باريس”.
إلا أن تحقيق السلام في السودان يتطلب إرادة سياسية قوية، وحواراً سياسياً شاملاً يتضمن القوى العسكرية والمدنية، مع ضرورة استبعاد الأطراف الإخوانية المشبوهة، التي لا تعمل وفقاً لمصالح الدولة الوطنية، بل وفقاً لمصالح تكسباتها الشخصية! ومع أهمية الاعتراف بأن السودان به العديد من الأطياف والأعراق والثقافات، وجميعها جزء أصيل من السودان.