تسريبات

بين السلاح والمساومة.. كيف يفرّط الجيش السوداني في سيادة البلاد مقابل الدعم؟

وثائق مسرّبة تكشف تنازلات مقلقة للجيش السوداني لمصر والسعودية في سبيل البقاء في السلطة


في تطور جديد يعكس حجم التشابك الإقليمي في الأزمة السودانية، كشفت مصادر استخباراتية مطلعة عن خلافات متصاعدة بين القاهرة والرياض على خلفية اعتراض مصر على تفريغ سفينتين سعوديتين محملتين بإمدادات عسكرية في ميناء عَصَب الإريتري، كانت موجهة لدعم فصيل “مجموعة الرهان” الموالي للجيش السوداني. هذا الخلاف لم يكن سوى رأس جبل الجليد الذي يخفي تحت سطحه شبكة معقدة من الصفقات والتنازلات التي يقدمها الجيش السوداني بحثًا عن الشرعية والدعم الخارجي.

الجيش يبيع أراضي السودان مقابل السلاح

وفقًا لوثائق مسرّبة حصل عليها موقع السودان ليكس، دخلت قيادة الجيش السوداني مؤخرًا في مفاوضات مع الجانب المصري، أفضت إلى تسهيلات غير مسبوقة شملت منح مصر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في ولايات الشمال والجزيرة، بعقود طويلة الأمد وبشروط وصفت بـ”المجحفة”، مقابل تقديم دعم عسكري ولوجستي للجيش.

هذه الأراضي، التي كانت تعتبر شريان الأمن الغذائي الوطني، تحولت اليوم إلى ورقة مساومة في يد جنرالات يسعون لتعزيز سلطتهم بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب سيادة البلاد. ولا يخفى أن مثل هذه الصفقات تثير القلق لدى قطاعات واسعة من السودانيين الذين يرون فيها شكلًا من أشكال البيع العلني لمقدرات الدولة.

مقدرات السودان في المزاد الإقليمي

الوثائق نفسها تكشف أيضًا عن مساعٍ يقودها الجيش للتقارب مع قوى إقليمية، من خلال عروض مغرية تشمل عقود استخراج معادن نادرة في مناطق النزاع، وتسهيلات لاستخدام الموانئ السودانية على البحر الأحمر، مقابل الاعتراف بـ”شرعية” الجيش كحاكم فعلي للبلاد.

وبينما تسوّق القيادة العسكرية هذا التقارب كنوع من “التحالف الاستراتيجي”، يرى مراقبون أن الأمر لا يعدو كونه تنازلًا مهينًا، يجعل من ثروات السودان ورقة مقايضة للحصول على دعم سياسي وعسكري، يعزز من قبضة الجيش على السلطة.

 السفن السعودية.. الدعم المشروط يُفجّر الخلافات

حادثة السفينتين السعوديتين في ميناء عصب تكشف حجم التناقضات داخل التحالفات الإقليمية الداعمة للجيش. فبينما ترغب الرياض في دعم بعض الفصائل المسلحة التابعة للجيش السوداني لتعزيز نفوذها في القرن الإفريقي، تعارض القاهرة هذا التوجه بشدة، خوفًا من تهديد التوازنات في شرق السودان، لا سيما قرب منطقة حلايب وشلاتين.

 

هذا الخلاف ليس فقط بين دولتين حليفتين، بل يعكس أيضًا هشاشة الموقف العسكري السوداني، الذي لم يعد قادرًا على ضبط حلفائه، ولا السيطرة على المشهد الداخلي، بعدما حول السودان إلى ساحة تنافس إقليمي مكشوف.

أي شرعية على جثة السيادة؟

المؤسف أن الجيش السوداني لا يرى في السيادة الوطنية إلا عملة تفاوض، يستخدمها في بورصة المصالح الإقليمية. ومع كل تنازل، يخسر السودان موقعًا وموردًا وسيادة. وبينما تستعر الحرب في الداخل وتُرتكب الفظائع بحق المدنيين، ينشغل الجنرالات في عقد الصفقات السرية وتوزيع ما تبقى من مقدرات الوطن على موائد الراغبين في النفوذ.

لم تعد معركة السودان اليوم معركة بين جيش والدعم، بل صراع بين مشروعين: مشروع دولة مدنية تحمي ثرواتها وتصون كرامتها، ومشروع عسكري يسعى للبقاء عبر التنازلات، ولو أدى ذلك لبيع الأرض والسلاح والكرامة. ووسط هذا المشهد القاتم، تبقى الصحافة الحرة وحدها قادرة على كشف الحقائق، وتذكير الجميع بأن الوطن ليس ملكًا لحفنة جنرالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى