بدلاً من الحلول.. البرهان يراهن على المعركة ويتجاهل الانهيار الإنساني
في موقف متشدد يُبقي على الحرب مشتعلة، جدد رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، رفضه القاطع لأي هدنة أو سلام مع قوات الدعم السريع، مشترطاً التخلي الفوري عن السلاح. ما يهدد بتحويل الأزمة الإنسانية الحالية إلى كارثة غير قابلة للاحتواء. ويأتي هذا التعنت على النقيض من إعلان “الدعم السريع” استعدادها التام للانخراط في أي مبادرات لوقف الحرب.
وعلى الرغم من إشارة البرهان إلى أن “كل السودانيين اكتووا بهذه الحرب” وأنها “تركت آثاراً مدمرة”، إلا أن توعده بالتصعيد يعكس تجاهله كافة الدعوات لإنهاء الصراع الذي أعاد البلد سنوات إلى الوراء ودفع بالملايين من السودانيين إلى المجاعة.
وبتجاهل القضايا الإنسانية وتلغيمه المفاوضات بشروط تعتبر “تعجيزية”، يقوم البرهان فعلياً بتجميد كافة المسارات السياسية والدبلوماسية، ما يترك الشعب السوداني أمام خيار واحد هو استمرار العنف والدمار.
ويبدو أن استراتيجية قائد الجيش السوداني تهدف إلى تحقيق نصر عسكري شامل دون اعتبار فوري للتكاليف الإنسانية الباهظة. وينتظر أن يواجه البرهان ضغوطاً متزايدة من المجتمع الدولي والإقليمي، لا سيما بعد موافقة الدعم السريع على الهدنة، حيث يسعى الوسطاء لتحويل هذه المبادرة المقترحة إلى جسر حقيقي نحو السلام.
وقال البرهان في كلمة أمام حشد من المواطنين خلال زيارته لقرية السريحة بولاية الجزيرة وسط السودان إن “أي أحد يأتي ليتوسط بين الجيش والدعم السريع نقول له: إذا لم يضع المتمردون السلاح أرضا ويجلسوا على الأرض، فلا كلام ولا سلام، ولن نقبل بهم في السودان، لا هم ولا من يقف معهم”.
وأردف “سنمضي في هذا الطريق، إما أن نقضي عليهم أو نظل نقاتلهم حتى نسلم أرواحنا، لكن ليس لدينا هدنة معهم أو كلام أو سلام”، ما يعكس نواياه في التصعيد، رغم تفاقم الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب.
وأشار البرهان، إلى أن “كل السودانيين اكتووا بهذه الحرب، وليس هناك أحد ليس في نفسه شيء، والحرب تركت آثارا مدمرة علينا كلنا”، مستطردا “لكن عزاءنا نحن في هذا الوطن أن لُحمتنا الوطنية وشأننا الوطني مرتبط مع بعض وكلنا متحدين مع بعض”.
وأضاف “ومنذ بداية هذا الحرب، كُلنا مصممون ألا تنتهي هذه الحرب إلا بنهاية هؤلاء المتمردين”. وقبل أيام، قال مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الإفريقية مسعد بولس، في بيان “تحثّ الولايات المتحدة أطراف الصراع في السودان على الموافقة الفورية وتنفيذ الهدنة الإنسانية المقترحة”.
ولم يوضح بولس تفاصيل الهدنة التي تحدث عنها وآلية تنفيذها، غير أن قوات الدعم السريع، أعلنت قبل أسبوع، موافقتها على الانضمام إلى هدنة إنسانية اقترحتها دول “اللجنة الرباعية” التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات.
وقال البرهان إن “السودانيون تأذوا من هؤلاء المتمردين، قتلوهم وعذبوهم ونهبوهم ونكلوا بهم، ولن ينالوا منا إلا ما يذيقهم العذاب”، في إشارة إلى استمرار القتال ضد الدعم السريع.
وأوضح أنه زار هذه المنطقة ليؤكد للمواطنين أن “حق الشهداء لن يضيع”، مضيفا أن “دماء كل من قُتل في السودان في رقابنا”، متابعا “عهدنا أننا ليس لدينا كلام مع المتمردين”.
وقال البرهان “نطمئن أهلنا أن هؤلاء القتلة والمجرمين ليس لديهم مكان معنا في السودان، وحديثنا هو إذا كنت تريد السلام وتريد أن يذهب السودانيون معك في سلام، فاجمع هؤلاء المرتزقة في مكان واحد واجمع سلاحهم، بغير ذلك لن يتحدث أحد معهم”.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال بولس، إن اللجنة الرباعية بحثت في واشنطن التوصل إلى “هدنة إنسانية عاجلة ووقف دائم لإطلاق النار” بالسودان، وشكلت لجنة مشتركة للتنسيق بشأن الأولويات العاجلة.
وحينها، أوضح بولس في إفادة رسمية، أن الأعضاء المجتمعين بالرباعية أكدوا التزامهم بالبيان الوزاري الصادر في 12 سبتمبر/أيلول الماضي، والذي دعت خلاله “الرباعية” إلى هدنة إنسانية لـ3 أشهر، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى جميع مناطق السودان تمهيدا لوقف دائم لإطلاق النار.
ويلي ذلك إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تُستكمل خلال 9 أشهر، بما يلبي تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مدنية مستقلة تحظى بقاعدة واسعة من الشرعية والمساءلة.
وبالإضافة إلى الفاشر، تشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال وغرب وجنوب)، منذ أيام، اشتباكات ضارية بين الجيش السوداني والدعم السريع أدت إلى نزوح عشرات الآلاف في الآونة الأخيرة.
وتسيطر الدعم السريع حاليا على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس غربا، عدا بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور التي لا تزال في قبضة الجيش، الذي يسيطر على معظم مناطق الولايات الـ13 المتبقية في الجنوب والشمال والشرق والوسط، بينها العاصمة الخرطوم.




