النيل الأبيض… الوجه الخفي للحرب السودانية
ما جرى في النيل الأبيض ليس مجرد هجمات عسكرية، بل فصل من رواية أكبر: رواية دولة تنهار بين ضربات الداخل وتدخلات الخارج، فيما يُترك المدنيون لمصير قاسٍ.

في النيل الأبيض، لم يعد المشهد مقتصرًا على أصوات الانفجارات ورائحة البارود. فالهجمات الأخيرة التي استهدفت مستودعات الوقود في كوستي وقاعدة كنانة الجوية فتحت الباب أمام أسئلة كبرى تتجاوز تفاصيل العمليات العسكرية. من يقف وراء هذه الضربات؟ ما علاقتها بالتدخلات الخارجية؟ كيف انعكست على المدنيين؟ وما الرسائل الخفية التي تحملها؟ هذا التحقيق يحاول تفكيك ما جرى، وتحليل أبعاده، ووضعه في سياقه الأوسع.
كوستي… حين يصبح الوقود سلاحًا
الهجوم الذي استهدف مستودع “الوسيلة” للوقود في المنطقة الصناعية بكوستي دمّر خزانات استراتيجية، وأشعل سلسلة حرائق امتدت إلى محيط مدني.
الأثر المباشر
-
شلل في إمداد الجيش بالوقود اللازم للمركبات العسكرية.
-
انقطاع الإمداد المدني، بما يشمل المستشفيات ومرافق المياه.
-
أزمة بيئية نتيجة تسرب النفط واحتراقه.
لم يكن الهدف فقط تعطيل الجيش، بل خلق ضغط مزدوج: عسكري عبر شلّ الإمداد، وإنساني عبر دفع المدنيين إلى مواجهة أزمات معيشية خانقة. إنها استراتيجية “الأرض المحروقة” بطريقة غير معلنة.
قاعدة كنانة الجوية… ساحة الصراع الإقليمي
تفاصيل الهجوم
استهداف القاعدة أدى إلى:
-
مقتل خمسة خبراء أتراك.
-
مقتل عدد من الجنود السودانيين المسؤولين عن تركيب أنظمة التشويش.
-
تدمير جهاز تشويش ومضاد كان قيد التركيب.
-
تدمير طائرة استطلاع مسيّرة.
الدلالات
-
التدخل التركي: وجود خبراء أتراك يطرح تساؤلات حول مستوى التدخل العسكري غير المعلن لأنقرة في السودان.
-
الرسالة للمجتمع الدولي: استهداف هذه القاعدة كان بمثابة إعلان أن أي طرف خارجي ينخرط في الحرب ليس في مأمن.
-
التقنية العسكرية: تدمير منظومات التشويش في طور التركيب يكشف هشاشة المنظومة الدفاعية السودانية.
-
الدعم السريع تُحكم سيطرتها على شمال النيل الأبيض في السودان
-
النيل الأبيض: مؤشرات على معارك طاحنة تلوح في أفق السودان
الطائرات المسيّرة… سماء السودان تحت المجهر
التحول الميداني
إسقاط طائرة استطلاع مسيّرة يمثل انعطافًا في طبيعة الحرب، حيث لم يعد النزاع قائمًا فقط على المدفعية والدبابات، بل دخلت التكنولوجيا كسلاح رئيسي.
التداعيات
-
تكتيكيًا: توسيع نطاق الرصد وتوجيه الضربات بدقة أكبر.
-
استراتيجيًا: دخول السودان إلى عصر “الحروب الحديثة”.
-
سياسيًا: دليل على أن أطرافًا خارجية ربما تزود أحد الجانبين بتكنولوجيا متقدمة.
-
الجيش السوداني يعتقل 4 محامين في النيل الأبيض ويقتادهم “معصوبي الأعين”
-
“الدعم السريع” تطبق الحصار على قوات البرهان في ولاية النيل الأبيض
المدنيون… الضحايا المنسيون
في ظل هذه التطورات، يدفع المدنيون الثمن الأكبر:
-
مستشفيات في كوستي تعمل الآن بأقل من 30% من قدرتها بسبب نقص الوقود.
-
ارتفاع أسعار النقل بشكل جنوني، مما يضاعف أزمة النزوح الداخلي.
-
حالات تسمم بيئي نتيجة تسرب النفط إلى المياه.
في شهادات ميدانية، أكدت عائلات أن أطفالًا قضوا بسبب انقطاع أجهزة التنفس في المستشفيات بعد توقف المولدات. هذه الحقائق لا ترد في البيانات العسكرية، لكنها تسكن وجدان الناس وتشكّل الوجه الحقيقي للحرب.
-
الكباشي يلتقي وفد المقاومة الشعبية بولاية النيل الأبيض
-
المعارك في السودان على أبواب النيل الأبيض وسنار
غياب المساءلة الدولية
الوضع القانوني
-
القانون الدولي الإنساني يحظر استهداف البنى التحتية الحيوية إذا كان لها أثر مباشر على المدنيين.
-
مقتل خبراء أجانب يكشف تورط دول في نزاع داخلي، وهو ما يستدعي مساءلة سياسية.
لا وجود لتحقيق مستقل حتى الآن، ولا ضغط دولي حقيقي لإلزام الأطراف بوقف استهداف المنشآت المدنية – العسكرية المزدوجة. السودان بهذا المعنى يعيش في فراغ قانوني.
المقارنة الإقليمية
ما جرى في النيل الأبيض ليس استثناءً، بل يعيد إلى الأذهان:
-
اليمن: استهداف خزانات الوقود في الحديدة كان أداة لإضعاف الطرف الآخر.
-
سوريا: قصف محطات الكهرباء كان وسيلة لإغراق المدنيين في الظلام.
-
ليبيا: التدخل الخارجي المباشر عبر الخبراء الأجانب غيّر معادلة الصراع.
بهذا المعنى، فإن السودان يعيد إنتاج سيناريوهات إقليمية سابقة، مع اختلاف اللاعبين.
-
الجيش الأبيض يشعل النزاع مجدداً.. مخاوف من دوامة حرب أهلية جديدة
-
جنوب السودان.. استعادة الناصر بعد معارك عنيفة مع الجيش الأبيض
انعكاسات مستقبلية
-
على الجيش السوداني: فقدان القدرة على حماية منشآته الحيوية يزيد من تآكل هيبته.
-
على المدنيين: استمرار تدهور الوضع الإنساني قد يدفع إلى موجات نزوح جديدة.
-
على الإقليم: دخول تركيا (عبر الخبراء) وأطراف أخرى قد يحوّل السودان إلى ساحة تنافس شبيه بسوريا وليبيا.
-
على مسار الحرب: انتقالها إلى مستوى تكنولوجي جديد يطيل أمدها ويزيد من تعقيدها.
-
كوستي تحت القصف.. عروس النيل تختنق في الظلام
-
منظمة دولية: نزوح أكثر من 14 ألف أسرة من ولاية النيل الأزرق
السودان… بين أنياب الداخل والخارج
ما جرى في النيل الأبيض ليس مجرد هجمات عسكرية، بل فصل من رواية أكبر: رواية دولة تنهار بين ضربات الداخل وتدخلات الخارج، فيما يُترك المدنيون لمصير قاسٍ.
التحقيق يكشف أن الرسالة الأساسية لهذه الهجمات هي: لا أحد محصن – لا الجيش، ولا المدنيون، ولا حتى الخبراء الأجانب.
ويبقى السؤال: هل يستمر السودان كساحة مفتوحة لصراع النفوذ، أم يتحرك المجتمع الدولي والعربي لوقف نزيف الدم قبل أن تتحول المأساة إلى كارثة شاملة؟
-
صراع القوى في المقرن: من يملك السيطرة على منابع النيلين في الخرطوم؟
-
أشرس المعارك في مقرن النيلين.. صراع دموي في قلب العاصمة السودانية
-
معركة إقليم النيل الأزرق تغير مسار الحرب السودانية
