الفاشر.. قلب دارفور النابض بتاريخ السلاطين وعبق التراث السوداني
 
						في قلب شمال دارفور، حيث مدينة الفاشر، يلتقي التاريخ العريق بالموقع الاستراتيجي، لتصبح المدينة بوابة للتجارة والثقافة في غرب السودان.
وأمس الإثنين، أقرّ الجيش السوداني بانسحابه من مدينة الفاشر في إقليم دارفور، غداة إعلان قوات الدعم السريع السيطرة عليها بعد معارك استمرت أبريل/نيسان 2023.
لكن المدينة ليست مجرد ساحة للصراع الحديث، بل تحمل إرثا تاريخيا وثقافيا يمتد لقرون.
فماذا نعرف عن الفاشر؟
تأسست المدينة قبل نحو خمسة قرون لتكون مقر سلطنة الفور، إحدى الممالك التاريخية الثلاث التي شكلت هوية السودان القديم لفترة امتدت ما يقارب الخمسة قرون، من سنة 1445 وحتى 1916، وكان أولهم السلطان سليمان سولونق وآخرهم علي دينار.
خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لعب السلطان علي دينار دورا محوريا في الحفاظ على استقلال دارفور ومقاومة النفوذ الأجنبي، مستخدما الدبلوماسية والقوة العسكرية لحماية المدينة وسكانها.
الموقع الاستراتيجي
على مدى عقود شكّلت الفاشر عاصمة لإقليم دارفور، الذي تعادل مساحته مساحة دولة مثل فرنسا.
تقع الفاشر شمال دارفور، وتبعد حوالي 800 كيلومتر غرب الخرطوم، و195 كيلومترا عن نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
تنقسم المدينة إداريا إلى أربع وحدات هي: الفاشر، وريفي الفاشر، ودار السلام، وكروما.
تشكل المدينة المدخل الرئيسي للقوافل التجارية، وكانت مركزا لاستقبال المساعدات الإنسانية عبر ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين ليبيا وتشاد وجنوب السودان وأواسط أفريقيا، يمنحها أهمية كبيرة باعتبارها حلقة وصل بين شمال القارة وغربها.
في عام 2008، اتخذت البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المعروفة باسم “يوناميد” من مدينة الفاشر مقرا رئيسيا لها، الأمر الذي عزز مكانتها وأسهم في نموها العمراني.
وعلى بعد نحو 5 كيلومترات من مركز المدينة، يمتد مطار الفاشر الذي يربط المدينة ببقية مناطق السودان من الخرطوم إلى نيالا.
الموارد والنشاط الاقتصادي
يمتهن سكان الفاشر الزراعة والري وتربية الإبل والماشية، ما يجعلها من أكبر الأسواق لتصدير الإبل إلى الخارج.
ومن أبرز المحاصيل الزراعية المنتشرة بالمدينة، القطن والذرة والسمسم والتمور والموز والمانجو والأرز.
وتضم المدينة 3 أسواق رئيسية هي:
أم دفسو، وفيه تباع الفواكه المنتجة في منطقة جبل مرة ومنتوجات دارفور الغذائية التقليدية.
المواشي وفيه تباع اللحوم طازجة أو مشوية.
السوق الكبير الذي يزخر بالمحلات التجارية من دكاكين ومقاصف وهو أيضا مركز المواصلات المؤدية إلى جميع أحياء المدينة.
أثبتت دراسات أعدتها الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية السودانية وجود 20 نوعا من المعادن الأساسية بالولاية، من أصل 40 نوعا من المعادن المنتشرة في الكرة الأرضية.
كما تتمتع المنطقة بثروة حيوانية كبيرة يبلغ تعدادها أكثر من 30 مليون رأس من الضأن والماعز والإبل والأبقار.
التاريخ والمعالم
يعتبر قصر ومتحف السلطان علي دينار، آخر سلاطين دارفور، من أبرز معالم المدينة، والذي تم تشييده عام 1912.
ويضم المتحف مقتنيات أثرية تعكس حضارة أهل دارفور عبر العصور، وتم إدراجه ضمن التراث الإنساني من اليونسكو عام 2023.
وفي قلب المدينة، تقع آبار “حجر قدو”، التي تقول الروايات إن السلطان علي دينار أمر بحفرها بنفسه.
وهناك أيضا، يتربع مسجد الفاشر العتيق، أقدم مساجد دارفور وأول مركز لتدريس القرآن وعلومه.
إشعاع ديني
في أواخر القرن التاسع عشر، عزز السلطان علي دينار الإرث الديني للمدينة، حيث أنشأ مصنعا لصناعة كسوة الكعبة التي ظل يرسلها إلى مكة المركة لما يقارب من عشرين عاما، بحسب وسائل إعلام سودانية.
كما كان يرسل القوافل المحملة بما يُعرف بـ “سُرة الحرم” والتي تحتوي على صناديق الذهب والقمح والتمور، دعما للحرمين الشريفين.
ويقال إنه أمر جنوده بتأمين قوافل الحجيج القادمة من غرب أفريقيا عبر أراضي دارفور.
الحياة الاجتماعية
تسكن مدينة الفاشر، مجموعات قبلية وإثنية متنوعة، من مختلف أنحاء السودان، غير أن غالبية السكان تنحدر من المكونات التي خرجت منها الفصائل المسلحة، مثل الزغاوة والفور والمساليت.
مخيمات النازحين
يتواجد في المدينة عدد كبير من مخيمات النازحين التي تم إنشاء بعضها منذ أكثر من عقدين عقب الحرب الأهلية التي كان قد شهدها إقليم دارفور في عهد الرئيس المعزول عمر البشير.
كما أقيمت مخيمات جديدة للفارين من نيران المعارك بين الجيش والدعم السريع، منذ اندلاع القتال بين الطرفين في أبريل/نيسان 2023.

 
				 
					



