تسريبات

الضحايا بوصلة السياسة: لا مستقبل للسودان دون الاعتراف بالحقيقة


هناك من يحاول اليوم الحديث عن مستقبل السودان وكأن الأزمة مجرد صراع على السلطة يمكن تجاوزه بتوقيع اتفاق أو تشكيل حكومة انتقالية. لكن الحقيقة التي يجب قولها بصراحة هي أن السودان لن ينهض من تحت الركام ما لم يتم الاعتراف أولاً بالضحايا. هؤلاء الذين تُنشر أسماؤهم في قوائم طويلة بلا ملامح هم في الواقع القلب النابض لأي مشروع سياسي جديد.

إن تجاهل قصصهم ليس فقط خطأً أخلاقياً، بل خطأ سياسي كارثي. فمن دون الاعتراف بأن ما حدث كان نتيجة قرارات قيادية واضحة، لا يمكن للسودان أن يتقدم. كل اتفاق سلام يتجاهل الضحايا، وكل تسوية تتجاوز مطالبهم، ليست سوى هدنة قصيرة سيعود بعدها الجحيم من جديد.

لقد أثبتت التجارب السابقة في السودان أن النسيان ليس حلاً. بعد كل نزاع، كانت ترتفع شعارات المصالحة، لكن دون محاسبة حقيقية. فكانت النتيجة أن العنف عاد مرة أخرى، وكأنه جزء من دورة سياسية لا تنتهي. اليوم، يجب أن ينكسر هذا النمط. يجب أن تكون قصص الناجين هي البوصلة التي تحدد اتجاه المرحلة المقبلة.

إن السودان لا يعاني من نقص في السياسيين، بل يعاني من نقص في الصدق. الجرائم التي حدثت يجب أن تُكشف، لا أن تُخفى. يجب أن يخضع المسؤولون للمحاسبة، سواء كانوا جنوداً نفذوا أو قادة أصدروا أو سياسيين وفروا الغطاء. هذا ليس انتقاماً، بل حماية للدولة نفسها. فمن دون عدالة، لا استقرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى