تحقيقات

الصراع في السودان.. فتنة أشعلها الإخوان ويدفع ثمنها الشعب


أوضاع مأساوية تعيشها الخرطوم وبعض المناطق المحيطة بها، فالجثث متكدسة بالشوارع، والأوضاع الإنسانية والصحية على مشارف الكارثة، وأزمة غذائية تتفاقم، وانفلات أمني هو الأسوأ في تاريخ البلاد. فضلا عن بيوت تركها ذووها ونزحوا لأماكن أكثر أمانا هربا من المعارك الضارية لتتحول إلى مدينة أشباح.

ومن الخرطوم إلى دارفور جاءت تحذيرات نقابة أطباء السودان، في بيان، من أن الوضع في مدينة الجنينة بات “كارثيا والأسوأ على الإطلاق” وأن الاقتتال في الجنينة أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا بينهم أطفال ونساء.

ومنذ انطلاق الصراع بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” في منتصف أبريل الماضي، تصاعدت المخاوف من تفجر الوضع في دارفور، لا سيما أن الإقليم شهد خلال السنوات الماضية اشتباكات قبلية متقطعة.

ويحذر مراقبون من أن الأوضاع ستزداد صعوبة على السودانيين ليس فقط في “الجنينة”. بل قد تمتد إلى ولايات أخرى بعد تفشي الأمراض وضعف الاقتصاد، وفقدان السيطرة الأمنية، والأشد قسوة غياب الأمل في إنهاء هذا الصراع في وقت قريب في ظل مستفيدين يرغبون في استمرار الأزمة.

الحياة مستحيلة

ووفق عبدالجليل سليمان، الكاتب والباحث السوداني، فإن الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع والذي مر عليه شهران منذ بدء الاشتباكات في 15 أبريل الماضي، جعل الحياة مستحيلة ليس في العاصمة السودانية فقط، بل على عموم السودان فتهجير قرابة مليوني سوداني إلى ولايات أخرى غير مستعدة لاستقبالهم، وفي ظل غياب رعاية أممية للنازحين، يعني أننا أمام وضع مجتمعي صعب للغاية.

قال سليمان إن “المواطن البسيط السوداني غير مشغول بأسباب الصراع بين البرهان وحميدتي، فالمواطن أصبح يشغله أين سيجد مأوى له ولأسرته ولأطفاله؟ وكيف سيجد قوت يومه؟”.

“السودانيون الآن ما بين نازح إلى ولايات ربما أكثر فقراً من النازحين، وما بين فارين لاجئين إلى الأقطار المجاورة، مثل مصر، وتشاد، وجنوب السودان، أو العيش تحت رحمة القصف والحصار مثل أهالي مدينة الجنينة في غرب السودان بإقليم دارفور”، وفق المصدر ذاته.

خراب بالجملة

وعن معاناة أهالي الجنينة، أوضح المحلل السوداني أن “هذه المدينة شهدت على مدار الآونة الأخيرة الكثير من الانتهاكات التي تصل إلى جرائم حرب، فقد تم تسليح جماعات سكانية تؤيد الجيش والدفع بها للدفاع عن المدينة، في مواجهة غير متكافئة ضد قوات الدعم السريع عالية التدريب والإمكانيات، فتهدمت البيوت وخربت المتاجر وحرقت الأسواق، وسقط العديد من الأبرياء ما بين قتيل ومصاب، وللأسف لم يتم حصرها، جراء عدم القدرة على الوصول للمستشفيات، بسبب صعوبة التنقل والوضع الأمني في البلاد”.

الشعب يتجرع مرارة الحرب

وأوضح أن “حصاد الصراع مر يتجرعه الشعب فقط، فهناك 1800 مدني توفي بشكل مباشر جراء القصف المتبادل بين المتصارعين غير ضحايا ( الجنينة)، فضلًا عن آلاف الأسر التي شردت بعد تعرض مساكنهم للقصف أو النهب، هذا غير من ماتوا بسبب انعدام الرعاية الصحية، فلا علاج ولا إمدادات صحية تصل للمواطنين، ولا للصيدليات فمرضى الكلى العديد منهم توفي بسبب عدم قدرة المستشفيات على تقديم خدمة الغسيل لهم، فضلا أن العديد منها تلك تحول إلى ثكنات عسكرية، وبعضها خصص لمعالجة طرف بعينه دون الآخر، والكثير خرج من الخدمة الطبية تماما”.

مجاعة وشيكة

في حين يرى محمد جميل أحمد، الكاتب الصحفي السوداني والمحلل السياسي، أن الأوضاع في السودان كارثية، فكل المنظمات الدولية حذرت قبل أشهر من تعرض 15 مليون سوداني للمجاعة وجاءت الاشتباكات بين العسكريين فزادت الطين بلة.

كما قال إن “المواطن السوداني رغم أنه مثقف ومشارك في الحياة السياسية إلا أنه يرى أن هذا صراع بين عسكريين، فالجيش بقيادة البرهان مكون عسكري، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي مكون عسكري أيضا، وصراعهما صراع مصالح يغذيه طرف ثالث يبحث أيضا عن مصالحه.

الإخوان والجريمة الكاملة

وأكد أن “المستفيد الأول من هذا الصراع هم الإخوان المسلمون أو الكيزان كما يطلق عليهم الشارع السوداني، وهم من دفعوا البرهان لانقلاب 25 أكتوبر 2021، وهم مشعلو الفتنة في السودان وهم خطر على أي أمة تواجدوا فيها، وجريمتهم في السودان هي الجريمة الكاملة، تولوا الحكم منذ 30 سنة دمروا الاقتصاد والتعليم وعرضوا البلاد للحصار الاقتصادي الذي أعاد السودان إلى قرن مضى، واليوم يحرضون السودانيين على السودانيين، فقط لحجز مكان في الخارطة السياسية والاجتماعية، فإما يعودون للحكم وإما يتم تبرئتهم من كافة التهم السابقة قبل الثورة على البشير”.

وأشار إلى أن “الإخوان المدانين بالتعاون مع عناصر من النظام البائد وفلولهم في المؤسسات لهم مصلحة في إشعال فتيل الحرب وإطالة أمدها، حتى ولو حرقت السودان بأهلها، فالحرب تسمح لهم بالتملص من المحاكمات التي ستترتب على إدانتهم في القيام بالانقلاب العسكري عام 1989 على السلطة الشرعية المنتخبة آنذاك بقيادة الصادق المهدي، وادانتهم على جرائم الفساد وفصل جنوب السودان والتسبب في إشعال الحروب الأهلية في السودان، وعلى وضع البلاد في قائمة الدول الراعية للإرهاب”.

وتابع: “الإخوان تسببوا أيضا عبر سياساتهم الرعناء والمهددة لأمن الدول المجاورة في العقوبات الاقتصادية التي دامت لأكثر من ربع قرن، وهي محاكمات ستقوم بها أي سلطة مدنية تتولى الحكم في السودان، وبالتالي الإخوان سواء العسكريين أو المدنيين ينفخون في نار الحرب لتظل مستعرة”.

وفي فبراير الماضي، نفى قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، خلال إحدى الفعاليات العسكرية، وجود كيزان (أنصار النظام السابق من الإخوان) في الجيش، واعتبر ذلك “ادعاء كاذبا”.

أوضاع كارثية

وعن تداعيات الأزمة، قال المحلل السوداني إن المواطن للأسف يعيش وضعا إنسانيا صعبا للغاية على وجه الخصوص في الأحياء الفقيرة بالعاصمة الخرطوم، فالحرب والهدنة والسلام والتعافي من الحرب والتنمية، والعودة للمسار الديمقراطي دائما على حساب المواطن، فالخسائر الاقتصادية فاقت قدرات الدولة للتعافي من آثارها، فالسودان خسر 15 مليار دولار قيمة إجمالي واردات وصادرات لدول الجوار، فضلا عن خسارة يومية تقدر بنصف مليار دولار يومياً، فضلا عن خروج مئات المستثمرين من السوق، ومن ثم فقد آلاف أرباب الأسر وظائفهم وزادت البطالة مما جعل الحياة مستحيلة في السودان”.

“فاتورة إصلاح هذا العبث ستكون وخيمة جداً وأيضاً لن يدفع ثمنها إلا المواطن السوداني البسيط”، وفق المصدر ذاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى