أحداث

السودان.. قصة هاربة من الجحيم “بأي ثمن”


حين تغادر الجدران القليلة المتبقية من منزلها بالخرطوم كان عليها أن تواجه محنة الهروب من رصاصة طائشة قد تحصد روحها بأي لحظة.

لم يعد الأمر بالنسبة للسودانية ياقوت عبد الرحيم متعلقا بتلك الرحلة اليومية القاتلة، لكن بات وجودها وعائلتها مهددا في مدينة مثقلة برائحة الموت.

ففي مختلف أحياء العاصمة، بات أزيز الرصاص الصوت الاعتيادي المنبعث من السماء فيخترق الجدران المتهالكة جراء قصف سابق أو يحيل أخرى إلى أنقاض تكتب السطر الأخير في حياة عائلة أو أحلام أطفال. 

مشهد يثقل يوميات السودانيين منذ 15 أبريل الماضي، تاريخ اندلاع المعارك بين قوات الجيش والدعم السريع، في صراع لم يضع أوزاره رغم الجهود الدولية واتفاقات وقف إطلاق النار التي لم تصمد أمام حدة الاختراقات.

“بأي ثمن”

ياقوت التي دمر القصف منزلها في الخرطوم، اضطرت لمغادرة المدينة والتوجه إلى بورتسودان، هناك حيث تتمركز عمليات عبور الحدود نحو ملجأ آمن.

تقول ياقوت إنها هربت إلى المدينة الواقعة شرقي السودان، ومكثت فيها 15 يومًا بأحد المخيمات، على أمل الحصول على مقعد نادر على متن رحلة جوية.

وتضيف في حديثها لوكالة الأنباء الفرنسية: “نريد المغادرة بأي ثمن (…) دمرت منازلنا ولم يعد لدينا أي شيء لتربية أطفالنا”.

وخلافا لها، تواصل الكثير من العائلات الاختباء في منازلها بالخرطوم وتقنين المياه والكهرباء بينما تحاول ياقوت جاهدة تجنّب الرصاص الطائش في المدينة التي تضم أكثر من 5 ملايين نسمة.

أوضاع صعبة

أكثر من مئة ألف لاجئ سوداني فروا إلى تشاد المجاورة منذ اندلع النزاع في السودان قبل ستة أسابيع، ما يرفع العدد الإجمالي إلى أكثر من نصف مليون، وفق أرقام الأمم المتحدة.

والخميس، حذّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن “عدد اللاجئين الجدد تجاوز عتبة المئة ألف”، داعية إلى مساعدات مالية عاجلة.

وقد يُضطر ما يصل إلى 200 ألف آخرين للفرار إلى تشاد في الأشهر الثلاثة المقبلة، على ما قالت ممثلة المفوضية في تشاد، لاورا لو كاسترو في بيان.

ومع اقتراب الموسم الماطر، قالت المفوضية إنها بحاجة لـ”دعم لوجستي هائل” لنقل اللاجئين من مناطق حدودية حفاظا على سلامتهم.

وقبل اندلاع النزاع، كانت تشاد التي تعد إحدى أفقر بلدان العالم، تستضيف 588 ألف لاجئ بينهم 409 آلاف سوداني ينحدرون خصوصا من إقليم دارفور، بحسب المفوضية.

وذكرت الوكالة بأنها تحتاج إلى مبلغ قدره 214,1 مليون دولار لتوفير الحماية والمساعدات الضرورية لجميع اللاجئين والنازحين في تشاد. ويشمل المبلغ 72,4 مليون دولار للفارين من أزمة السودان.

وأوضحت المفوضية أنه تم الحصول على 16% فقط من هذا المبلغ.

آمال تتضاءل

وحتى وقت قريب، كان السودانيون يبنون آمالا واسعة على إمكانية صمود واحدة من اتفاقات وقف إطلاق النار، لكن تعليق الجيش مشاركته الأربعاء في محادثات برعاية السعودية والولايات المتحدة، قلص التطلعات إلى أدناها.

خطوة للخلف يبدو أنها أحبطت واشنطن ومنحت اعتقادا بصعوبة التوصل إلى هدنة أو حل نهائي للصراع، ما دفعها لتغيير لهجتها نحو التحذير ومن ثمة فرض عقوبات.

والخميس، أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية جديدة وقيودا على التأشيرات “بحق الأطراف الذي يمارسون العنف” في السودان، وذلك بعد انسحاب الجيش من المفاوضات الأخيرة مع قوات الدعم السريع واتهامه بقصف منطقة سوق قديم في العاصمة.

خطوة أمريكية ترفع منسوب المخاوف من تحول الصراع في السودان إلى حرب أهلية بكلفة بشرية واقتصادية هائلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى