تحقيقات

السودان دائرة الصراع.. الدعم الخارجي والانتهاكات العسكرية في ظل الأزمات الإقليمية


إن التقارب بين الجيش السوداني وكل من إيران وتركيا يحمل العديد من المخاطر التي تؤثر على استقرار السودان وتزيد من تعقيد الصراع الداخلي في البلاد. وفي الوقت ذاته تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية، وإثارة قلق الجيران، وتصعيد الصراع الإقليمي. كما أن هذا التقارب يضر بعلاقات السودان مع القوى الغربية، مما يزيد من عزلته السياسية والاقتصادية.

أين إيران وتركيا؟

إيران تاريخياً لديها علاقات قوية مع السودان، وخاصة الجيش السوداني. ومع تصاعد الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، وجدت إيران فرصة لتعميق تدخلها من خلال المشاريع التنموية مثل محطات شندي ومتمة للمياه. هذه المشاريع لا تعمل فقط على تحسين البنية التحتية، بل تُستغل كغطاء لعمليات نقل الأسلحة للجيش السوداني. باستخدام المعدات والشحنات المرتبطة بهذه المشاريع، يتم تهريب الأسلحة دون جذب الانتباه الدولي أو المحلي. مما يجعل إيران قادرة على تزويد الجيش السوداني بالعتاد اللازم لمواجهة قوات الدعم السريع.

تسعى إيران إلى تحقيق أهداف استراتيجية أكبر تتجاوز دعم الجيش السوداني فقط. موقع السودان الجغرافي الحيوي. الذي يطل على البحر الأحمر، يجعله هدفاً استراتيجياً لإيران التي ترغب في بسط سيطرتها على الممرات المائية الرئيسية في المنطقة. هذه السيطرة على الممرات البحرية يمكن أن تمنح إيران نفوذًا أكبر في التأثير على التجارة العالمية. وتشكيل ضغط إضافي على الدول الإقليمية والدولية. علاوة على ذلك، فإن السودان يعد نقطة انطلاق لإيران لتعزيز تواجدها ونفوذها في القارة الإفريقية ككل.

لتركيا أيضا ارتباط وثيق بالحركة الإسلامية بالسودان التي تسعى من خلال دعمها لقيادة الجيش للعودة للمشهد السياسي بقوة وهي التي تضم شخصيات بارزة كانت على ارتباط بالنظام السابق قبل عزل الجيش للرئيس عمر البشير والسيطرة على الحكم كمخرج لأسوأ أزمة في أعقاب مظاهرات حاشدة عمت البلاد.

 أفادت تقارير إعلامية بأن الجيش السوداني حصل من تركيا على مسيّرات من طراز “بيرقدار”، في تطور من شأنه أن يمنح قوات الفريق عبدالفتاح البرهان تفوقا جويا على قوات الدعم السريع. بينما سبق أن تحدثت تقارير غربية عن حصول القوات السودانية على مسيّرات من إيران، في الوقت الذي تسعى فيه كل من أنقرة وطهران لتعزيز نفوذهما في السودان من بوابة الدعم العسكري.

انتهاكات الجيش:

تقارير تفيد بأن الجيش السوداني قد استخدم الأسلحة الكيميائية مرتين على الأقل ضد قوات الدعم السريع، التي تشكل خصمًا رئيسيًا له في النزاع الحالي. وقد أظهرت هذه التقارير أن الجيش لم يتردد في استخدام أسلحة محظورة دوليًا. مما يثير قلق المجتمع الدولي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان. إن استخدام هذه الأسلحة يعكس تصعيدًا خطيرًا في النزاع. ويزيد من تعقيد جهود السلام في المنطقة.

ربط الدعم الخارجي، خاصة الإيراني والتركي، بانتهاكات الجيش السوداني يساهم في تعقيد الصورة. فبينما تسعى المعارضة لإظهار الجيش كأداة قمعية مدعومة من قوى أجنبية ذات أجندات توسعية. يؤكد الجيش السوداني أن هذه الاتهامات تهدف إلى تشويه سمعته وإضعاف موقفه في الصراع الداخلي.

ففي النهاية، يبقى السودان ساحة لصراع متعدد الأبعاد. حيث تتشابك المصالح الداخلية والخارجية بشكل يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والدعاية. وما بين الاتهامات والنفي، يدفع المدنيون ثمن هذه الحرب على مختلف الأصعدة.

المخاطر المرتبطة بالتقارب مع إيران وتركيا

1. تعميق الانقسامات الداخلية

التقارب بين الجيش السوداني وكل من إيران وتركيا يؤدي إلى تعزيز الانقسامات الداخلية في السودان. ففي وقت يعاني فيه السودان من صراع داخلي شديد بين الجيش وقوات الدعم السريع.. يستغل بعض الأطراف هذا التعاون لتوسيع الفجوة بين المكونات السياسية المختلفة في البلاد. يعتبر بعض السودانيين أن هذا التعاون يُظهر الجيش في صورة ضعيفة تتطلب التدخل الخارجي لدعمه. مما يخلق شعورًا عامًا بعدم الاستقلالية السياسية.

2. إثارة قلق الدول الإقليمية

إن زيادة النفوذ الإيراني والتركي في السودان يثير قلق الدول المجاورة مثل مصر والسعودية، اللتين تعتبران استقرار السودان جزءًا من أمنهما القومي. في حالة تعزيز العلاقات العسكرية والتقنية بين الجيش السوداني وكل من إيران وتركيا، قد تُصوَّر هذه الخطوة على أنها تهديد مباشر للنفوذ العربي في المنطقة. خاصة أن إيران معروفة بتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط عبر دعم الجماعات المسلحة، بينما تسعى تركيا إلى تعزيز وجودها الإقليمي من خلال استثماراتها الدبلوماسية والاقتصادية. هذا قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية ويزيد من الانقسام داخل العالم العربي والإسلامي.

3. التأثير على العلاقات الدولية

في الوقت الذي يحاول فيه السودان جذب الدعم الدولي، فإن التقارب مع إيران وتركيا يعقد العلاقات مع الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. فإيران تعتبر من الدول الخاضعة لعقوبات دولية بسبب أنشطتها النووية ودعمها لبعض الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. بينما تركيا، رغم عضويتها في حلف الناتو، قد تكون في كثير من الأحيان موضوع توترات مع بعض القوى الغربية بسبب سياستها الإقليمية.

يترتب على هذا التقارب مع الدولتين المعاقبتين أو المثيرتين للجدل على الساحة الدولية نتائج سلبية في علاقات السودان مع المجتمع الدولي ما يؤدي إلى عزلة دبلوماسية وتحديات اقتصادية.

4. تعزيز الصراع الإقليمي

من خلال العلاقات العسكرية والدبلوماسية. تجد إيران وتركيا في السودان ساحة لتوسيع تأثيرهما في المنطقة. إيران، التي تعمل على توسيع نفوذها في عدة دول في الشرق الأوسط. تستخدم السودان كمنصة لنقل دعمها إلى حلفائها في المنطقة مثل جماعة الحوثيين في اليمن أو في الساحة السورية. أما تركيا، فلطالما سعت لتعزيز حضورها في منطقة البحر الأحمر وقبالة السواحل الإفريقية. وتعتبر السودان نقطة انطلاق لتحقيق هذا الهدف.

هذا التوسع في النفوذ يسهم في تصعيد الصراع الإقليمي في منطقة مضطربة. ويزيد من تعقيد العلاقات بين السودان وجيرانه، خاصة في ظل تداخل المصالح والتهديدات المتزايدة.

5. التهديدات الأمنية والاستقرار الداخلي

إيران وتركيا يمتلكان استراتيجيات عسكرية وأمنية تختلف عن تلك المعتمدة من قبل الجيش السوداني. أي تعاون عسكري قد يتضمن نقل تقنيات أو أسلحة قد تساهم في زيادة مستويات العنف داخل البلاد. إذا تبين أن هذه الأسلحة أو المعدات المستخدمة من قبل الجيش السوداني كانت تؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو كانت تساهم في قمع المدنيين. فإن هذا يفضي إلى المزيد من العزلة الدولية للسودان. إضافة إلى ذلك. يزيد وجود الجماعات المدعومة من إيران أو تركيا داخل السودان من تهديدات الأمن الداخلي ويفاقم التوترات الطائفية أو السياسية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى