أحداث

السودان: تداعيات فشل مفاوضات جوبا


تتصاعد الأزمة الإنسانية في السودان في ظل تعثر محاولات فتح المسارات الإنسانية، تتزايد المخاوف من تعرض الملايين من المدنيين السودانيين لخطر الموت البطيء.

آخر هذه المحاولات الفاشلة كانت المفاوضات التي جرت في جوبا، عاصمة جنوب السودان، بين الجيش السوداني والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، ومع استمرار الحرب وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، يبدو أن الآمال في الحصول على مساعدات غذائية تتضاءل، مما يعمق من أزمة الجوع التي تهدد أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة.

أبعاد الكارثة الإنسانية

تشهد السودان أوضاعًا إنسانية غاية في السوء، تزداد تعقيدًا بسبب عدم توفر مسارات آمنة لتوصيل المساعدات. الأسواق تعاني من شح كبير في المواد الغذائية وارتفاع حاد في الأسعار، نتيجة للتدهور المريع في قيمة العملة الوطنية، حيث يتم تداول الدولار الواحد بنحو 1750 جنيهًا مقارنة بـ600 جنيه قبل الحرب.

هذا الوضع تفاقم بعد خروج أكثر من 80 في المئة من المصانع عن الخدمة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، والتي أسفرت عن مقتل نحو 30 ألف شخص وتشريد أكثر من 12 مليون آخرين.

فشل مفاوضات جوبا وتبادل الاتهامات

عقد السودانيون آمالًا كبيرة على مفاوضات جوبا بين الجيش وحركة الحلو، لكن الفشل كان مصير هذه المفاوضات، مما أثار تساؤلات حول الجهة المسؤولة عن إفشالها.

اتهمت الحركة الشعبية وفد الجيش، برئاسة شمس الدين كباشي نائب القائد العام، بأنه السبب وراء فشل المفاوضات، مشيرة إلى محاولته استخدام ملف المساعدات الإنسانية لفك الحصار عن المقرات العسكرية في إقليم كردفان.

من جانبه، رد وزير الدفاع السوداني، ياسين إبراهيم، بأن الحركة الشعبية شمالًا أصرت على مشاركة قوات الدعم السريع في المفاوضات؛ مما أدى إلى انهيارها وعدم التوصل لاتفاق بشأن إيصال المساعدات الإنسانية.

الحلول القومية وتحديات التنفيذ

أكدت الحركة الشعبية أنها سعت منذ بداية التفاوض للوصول إلى حل قومي يستفيد منه المتضررون في كافة أنحاء السودان. 

وأشارت إلى أن وفد الجيش لم يلتزم بطلب لجنة الوساطة بعدم التوجه للإعلام، مما أدى إلى تعقيد الأمور وتسميم الأجواء. كما اتهمت الحركة الحكومات السودانية المتعاقبة باستخدام الغذاء كسلاح ضد المدنيين، ورفض الجيش تضمين إقليمي جبال النوبة والفونج ضمن برنامج شريان الحياة منذ عام 1989، ورفض إيصال المساعدات خلال 22 جولة تفاوض بين 2011 و2019.

انتقادات لطبيعة تكوين الوفد الحكومي

انتقدت الحركة الشعبية تكوين وفد حكومة بورتسودان، الذي غلب عليه الطابع العسكري، وأوضحت أن المقترح المقدم من الحكومة كان في الأساس عبارة عن “جسر جوي” لإيصال المساعدات إلى المقرات العسكرية، مع تدابير أمنية ولجان فنية عسكرية لإدارة القوات المشتركة.

كما رفضت الحركة ثلاثة مقترحات قدمتها الحكومة، بما في ذلك إيصال المساعدات بدون اتفاق، أو توقيع كل طرف منفردًا مع وكالات الأمم المتحدة تحت إشراف وساطة جنوب السودان.

تبريرات الجيش

أعرب وزير الدفاع السوداني عن أسفه لموقف الحركة الشعبية شمال “المتعنت”، واتهمها بعدم التزامها بموجهات لجنة الوساطة ورفضها التوقيع على وثيقة إيصال المساعدات الإنسانية. وأوضح أن الحركة أصرت على إقحام الدعم السريع في المفاوضات، مما يتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة الخاص باحترام سيادة الدول.

الصيغة المطلوبة لحل الأزمة

من جانبه، يقول علي الماحي، القيادي في الحركة الشعبية شمال: إن الحركة بذلت جهودًا مكثفة طوال فترة التفاوض لتحقيق صيغة تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في جميع أنحاء السودان.

وأضاف ركزت الحركة بشكل خاص على المناطق الأكثر تضررًا مثل الجزيرة ودارفور، حيث يعاني السكان من أوضاع إنسانية كارثية.

وأكد الماحي، أن الحركة حرصت على أن تبقى المساعدات بعيدة عن أي استخدامات سياسية أو عسكرية. وأوضح أن مبدأ الحركة يقوم على ضمان أن تظل القضايا الإنسانية قومية الطابع، مشددًا على أن المساعدات يجب أن تصل إلى المحتاجين بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية.

وشدد على أن الحركة كانت تسعى إلى توفير المساعدات بطريقة تضمن الاستفادة القصوى للمتضررين، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وأنه من الضروري تجنب استغلال المعاناة الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية. 

 

وأشار إلى أن الحركة كانت مدركة تمامًا لعمق الأزمة الإنسانية وخطورتها، ليس فقط في جنوب كردفان، بل في كافة مناطق السودان المتأثرة بالحرب، مما دفعها للعمل بجدية للوصول إلى حلول شاملة تنقذ الأرواح وتخفف من معاناة الشعب السوداني.

المدنيين هم الضحايا

في السياق ذاته، يقول المحلل السياسى السوداني عادل حمد: إن المدنيين السودانيين هم وحدهم الضحايا الرئيسين لفشل مفاوضات جوبا، ولا يعنيهم الاتهامات المتبادلة والمواقف المتصلبة.

 وأضاف تظل الحاجة ماسة إلى حلول عاجلة لفتح المسارات الإنسانية وتقديم المساعدات، في وقت تشتد فيه الأزمة الاقتصادية والإنسانية.

وتابع: يبقى الأمل في أن تجد الأطراف المتنازعة طريقاً للتفاهم يخفف من معاناة الشعب السوداني ويفتح أبواب الأمل في مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى