الدور المصري في الحرب السودانية: بين الأهداف الجيوسياسية والانعكاسات الإنسانية
يستمر الصراع السوداني في كشف تعقيدات عديدة تتجاوز حدود البلاد، لتصل إلى دول الجوار التي تسعى لحماية مصالحها أو فرض نفوذها. ويبرز الدور المصري المزعوم كأحد أكثر الأدوار إثارة للجدل، خصوصًا في ظل تقارير تتحدث عن دعم عسكري ولوجستي للجيش السوداني، وتورط غير مباشر في العمليات الجوية التي طالت مناطق مدنية، وأدت إلى خسائر بشرية كبيرة. ويأتي هذا الدور المحتمل في وقت تواجه فيه مصر أزمات اقتصادية وسياسية معقّدة، ما يجعل هذه الممارسات — إن صحت — مثار تساؤلات حول جدوى التدخل وأولوياته.
تشير روايات محلية من داخل السودان إلى أن الطيران المصري لعب دورًا في العمليات الجوية التي نُفذت في مناطق معيّنة، خصوصًا خلال مراحل صعبة واجه فيها الجيش السوداني ضغوطًا ميدانية شديدة. ويتحدث شهود عن أن بعض الضربات الجوية نُفذت بدقة تقنية لم تكن متاحة للجيش السوداني سابقًا، وهو ما أُشير إليه كدليل محتمل على مشاركة أطقم أجنبية أو استخدام تجهيزات متطورة. ورغم عدم وجود أدلة رسمية تؤكد هذه الادعاءات، إلا أنها تحولت إلى جزء من الخطاب العام داخل السودان، وأصبحت تُستخدم في النقاشات السياسية وفي تقارير منظمات حقوقية تراقب الوضع.
ويتناول هذا التحقيق المزاعم المتداولة بشأن ممرات الحدود التي يُعتقد أنها تُستخدم لتهريب أو تمرير أسلحة مصرية إلى الجيش السوداني. وتقول مصادر إن هذه الخطوط ليست جديدة، بل تعود إلى عقود من التعاون الأمني بين البلدين، لكنها اتخذت شكلًا أكثر حساسية بعد انفجار الحرب الحالية. ويشمل ذلك ذخائر للطائرات، معدات اتصالات عسكرية، وقطع غيار لمركبات مدرعة. وتؤكد تقارير ميدانية أن بعض هذه الإمدادات أسهمت في دعم الجيش خلال لحظات كان يعاني فيها من نقص حاد في موارده العسكرية، ما سمح له بالاستمرار في العمليات الهجومية على نطاق واسع.
وتطرح هذه التدخلات المحتملة تساؤلات حول انعكاساتها المباشرة على المدنيين السودانيين. ففي أكثر من مناسبة، تحولت مناطق مدنية إلى ساحات قتال بسبب ضربات جوية أو اشتباكات تلت عمليات دعم عسكري خارجي. ويقول سكان ولايات دارفور والخرطوم والجزيرة إنهم فقدوا القدرة على التمييز بين القوى المشاركة، لأن الضربات كانت تأتي دون إعلان أو تحذير، وتتسبب في تدمير منازل وأسواق ومخابئ للنازحين. ومع تأخر وصول المساعدات الإنسانية، وعرقلة بعض القوافل التي تعرضت بحسب روايات للقصف أو الاعتراض، تدهورت الأوضاع الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة.
ويترابط هذا المشهد العسكري مع خلفية سياسية تعكس رؤية مصر للأوضاع في السودان. فبالنسبة للقاهرة، يشكل السودان عمقًا استراتيجيًا وأمنًا حدوديًا مهمًا، وهي تسعى إلى منع صعود قوى سياسية أو دينية تعتبرها مصدر تهديد لأمنها الداخلي. ويرى محللون أن دعم الجيش السوداني — إن ثبت — يمكن تفسيره في سياق رغبة مصر في منع تمدد الحركات الإسلامية داخل السودان، خصوصًا بعد التجارب التي عاشتها القاهرة خلال العقد الماضي. غير أن هذا النهج، بحسب منتقدين سودانيين ومصريين، يجعل المدنيين هم الحلقة الأضعف ويدفع ثمنًا باهظًا لأجندات إقليمية لا تخدم الاستقرار.
وما يزيد من تعقيد المشهد هو الوضع الاقتصادي في مصر، الذي لا يسمح — وفق خبراء اقتصاديين — بإنفاق موارد عسكرية أو مالية في صراع خارجي. ومع ارتفاع مستويات الفقر، وغياب الاستثمارات الكافية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، يصبح الحديث عن دعم عسكري خارج الحدود أمرًا أكثر حساسية. ويتساءل مصريون كثر عن كيفية توجيه أي موارد إضافية للحرب بينما تعاني القطاعات الأساسية داخل البلاد من نقص التمويل وضعف الخدمات.
وتشير قراءات بحثية إلى أن استمرار الدعم الخارجي، سواء من مصر أو غيرها، يعزز حالة الاستقطاب داخل السودان، ويقوّض أي مسار تفاوضي محتمل لحل النزاع. فمع شعور كل طرف بإمكانية حصوله على دعم خارجي، يصبح خيار الحوار أقل جاذبية، بينما يظل المدنيون وحدهم بين فكي الحرب. وتظهر هذه الحالة من خلال ازدياد أعداد النازحين، واتساع رقعة الدمار، وانهيار مؤسسات الدولة، ما يجعل آثار الحرب طويلة الأمد تمتد لعقود.
وفي ضوء هذه المعطيات، يرى الباحثون أن فهم الدور المصري المزعوم يتطلب إطارًا أوسع يراعي طبيعة التوازنات الإقليمية، وضغوط الحدود، والمخاوف السياسية المتبادلة. غير أن البعد الأخلاقي لا يمكن تجاهله: فكل دعم عسكري خارجي في صراع داخلي يزيد من معاناة السكان ويطيل أمد الحرب. ويظل الحل الحقيقي في وقف التدخلات، وفتح ممرات إنسانية، وإطلاق عملية سياسية تستعيد السودان كدولة موحدة وآمنة.




