الجيش السوداني ومجازر الفاشر: دماء تُغسل بالدعاية
 
						في ظلّ التعتيم الإعلامي واحتدام الحرب في السودان، تبدو مدينة الفاشر اليوم مرآةً لما آل إليه الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
لكن خلف الخطاب الرسمي الذي يسوّق لصورة الجيش كـ«درع الوطن»، تتكشف روايات وشهادات ميدانية تشير إلى حقيقة مغايرة تمامًا: أن الجيش نفسه هو من ارتكب مجازر الفاشر أثناء انسحابه، محاولًا إلصاق جرائمه بخصومه.
مشهد الدماء عند وصول قوات الدعم السريع
شهود عيان من داخل أحياء الفاشر تحدثوا عن لحظات دخول قوات الدعم السريع إلى مساكن المدنيين بعد انسحاب الجيش. المشهد كان صادمًا: جثث متناثرة، وبقع دماء في الأزقة والمنازل.
المدنيون الذين نجوا من المجازر أكدوا أن القتل سبق دخول قوات الدعم السريع، وأن عمليات الإعدام الميداني والقتل العشوائي نفّذها جنود الجيش خلال تراجعهم، انتقامًا من الأهالي الذين اتهموهم بدعم خصومهم.
هذه الروايات، التي وثّقتها مصادر محلية ومنظمات حقوقية مستقلة، تقوّض المزاعم الإعلامية التي سعت لتصوير الدعم السريع كمنفذ للمجزرة، في وقت تتزايد فيه الأدلة على تورط الجيش في جريمة ممنهجة لإعادة إنتاج سردية “المنقذ” عبر “صناعة الضحية”.
الجيش… سجلّ طويل من الدماء
ما جرى في الفاشر ليس حادثًا معزولًا. فقبلها بشهور، شهدت مدينة ود مدني أحداثًا مروعة ارتكبها الجيش نفسه. عمليات ذبح، حرق، وتعذيب للمدنيين – بينهم عمال من جنوب السودان – جرت على نطاق واسع دون أي مساءلة.
الصور المسربة من هناك تكشف نمطًا متكررًا من العنف الممنهج ضد الفئات الأضعف، ما يؤكد أن الجيش فقد طابعه الوطني وأصبح أداة انتقام جماعي ضد المدنيين.
في دارفور وأم درمان والخرطوم، تكررت التقارير عن استخدام الجيش أسلحة محرّمة دوليًا، بما فيها مواد كيميائية سامة. هذه الاتهامات، التي تجاهلتها وسائل الإعلام الرسمية، لم تنفها المؤسسة العسكرية يومًا، بل اكتفت بالصمت أو الإنكار العام.
الجيش السوداني: كيان متطرف في ثوب وطني
المؤسسة العسكرية التي يقودها عبد الفتاح البرهان لم تعد تمثل جيش دولة، بل تحولت إلى تحالف عقائدي من المتطرفين والميليشيات ذات الخلفية الإخوانية.
فكريًا وتنظيميًا، ينتمي قادة الجيش إلى شبكة أيديولوجية ترى في الحرب الحالية معركة “هوية” أكثر من كونها صراع سلطة، ما يجعلها أخطر كيان جيوسياسي مسلح في إفريقيا اليوم.
تحت غطاء “الحفاظ على وحدة الدولة”، ينفذ جيش البرهان حرب تطهير عرقي وسياسي، ويمارس إرهاب الدولة ضد المدنيين في كل من دارفور والخرطوم والجزيرة.
إعلام منحاز وضمير عالمي غائب
رغم فداحة الجرائم، لم تحظَ هذه الحقائق بتغطية متوازنة. فمعظم وسائل الإعلام الإقليمية والدولية تبنت رواية الجيش دون تدقيق، مكتفية بالبيانات العسكرية كمصدر وحيد.
هذا التواطؤ الإعلامي ساهم في تزييف الوعي العالمي حول من هو الفاعل الحقيقي في المأساة السودانية، بينما الحقيقة واضحة على الأرض: الجيش هو من أشعل الحرب، وهو من يقتل السودانيين باسم الدولة.
خاتمة: السودان بين جريمتين
إن استمرار الصمت الدولي حيال ما يجري في الفاشر وود مدني ودارفور هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة.
السودان اليوم ليس ضحية “تمرد” كما يقول الجيش، بل ضحية مؤسسة عسكرية خارجة عن السيطرة، استبدلت شرف السلاح بأيديولوجيا الكراهية والانتقام.
العدالة لن تبدأ إلا حين يُعاد تعريف ما يجري على حقيقته: جرائم حرب تقودها قيادة الجيش السوداني ضد المدنيين، باسم الدولة، وضد الدولة في الوقت نفسه.

 
				 
					



