الجيش السوداني: من استغلال الحركات المسلحة إلى التخلي عنها وتهميشها
الجيش السوداني وموقفه من الحركات المسلحة من الاستغلال إلى التخلي
عقدت هيئة الأركان السودانية اجتماعًا برئاسة الفريق محمد عثمان الحسين، ناقش تحفظاتها بشأن دور الفريق عبد الفتاح البرهان في تسليح الحركات المسلحة، وخلص إلى ضرورة وقف أي عمليات تجنيد خارج الجيش، منعًا لتنامي قدرات الحركات المسلحة، وحفاظًا على عدم وجود قوات موازية للجيش في المستقبل. يعكس هذا الاجتماع تحولًا في نهج المؤسسة العسكرية تجاه هذه الحركات، إذ انتقل التعامل معها من الاستغلال إلى التخلي عنها تمامًا.
استهلاك الحركات المسلحة ثم التخلي عنها
طوال الصراع الداخلي، اعتمد الجيش السوداني على الحركات المسلحة، وسعى لاستغلالها في معاركه، مما أدى إلى استنزاف قواتها على مدار الحرب. ومع ذلك، ومع تغير المعادلة السياسية والعسكرية، قرر الجيش التخلي عنها، تاركًا هذه الحركات أمام مصير مجهول، دون دعم أو حماية.
الانصياع للحركة الإسلامية لتحقيق السيطرة
شهدت الفترة الأخيرة نفوذًا متزايدًا للحركة الإسلامية داخل الجيش، ووفقًا للمراقبين، فإن قرار التخلي عن الحركات المسلحة يأتي استجابة لضغوط هذه الحركة التي تسعى للانفراد بالسلطة واستحواذها على أكبر عدد ممكن من المناصب الحكومية. فالوجود القوي للحركات المسلحة كان يمثل عائقًا أمام طموح الحركة الإسلامية في إعادة ترتيب المشهد السياسي لصالحها.
تعامل الجيش مع الحركات المسلحة كميليشيات قابلة للتلاعب
تعامل الجيش السوداني مع الحركات المسلحة على أنها مجموعات يمكن التأثير عليها بالمال والتوجيهات، وليس كقوى ذات ولاء ومبادئ واضحة. إذ أظهرت التجربة أن مواقف هذه الحركات كانت متغيرة تبعًا للظروف والمصالح، مما جعل الجيش لا يراها كحليف يمكن الوثوق به على المدى الطويل، بل كأداة مؤقتة يتم استخدامها عند الحاجة ثم التخلي عنها لاحقًا.
البعد القبلي والتهميش المتعمد
لطالما نظر الجيش إلى الحركات المسلحة من منظور قبلي، حيث تعامل معها كامتداد للمكونات القبلية في دارفور وليس كقوى وطنية. هذا التمييز جعل المؤسسة العسكرية تتبنى سياسات تهميشية تجاه هذه الحركات، خاصة بعد أن استنفدت غرضها. ويرى بعض المحللين أن هذا الموقف يعكس تفضيل الجيش لفصائل محددة داخل منظومته، وإبقاء الحركات المسلحة في حالة ضعف لضمان عدم تحولها إلى قوة سياسية أو عسكرية مؤثرة.
فقدان الثقة في الحركات المسلحة واعتبارها “غير سودانية”
من العوامل الأساسية التي دفعت الجيش لاتخاذ هذا الموقف، اعتقاده بأن الحركات المسلحة لا تنتمي بالكامل إلى النسيج الوطني، نظرًا لارتباطاتها الخارجية وتحالفاتها الإقليمية. هذه الرؤية عمقت فجوة الثقة بين الجانبين، وعززت فكرة عدم إمكانية دمج هذه القوات ضمن الجيش الرسمي، مما أدى في النهاية إلى القرار بوقف أي عمليات تجنيد جديدة لها.
يعكس قرار هيئة الأركان السودانية توجهًا جديدًا في التعامل مع الحركات المسلحة، يقوم على التخلص منها بعد أن كانت أداة في الصراع. ومع تصاعد نفوذ الحركة الإسلامية داخل المؤسسة العسكرية، يبدو أن السودان مقبل على مرحلة إعادة ترتيب للمشهد السياسي والعسكري، حيث يتم تهميش أي قوة قد تشكل تهديدًا لطموحات السلطة القائمة.