تسريبات

البرهان.. الجنرال الذي ورّط السودان في الحرب وأغرقه بالكيماوي والدم


منذ أن أطاح الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالحكومة المدنية في أكتوبر 2021، والسودان يسير بخطى متسارعة نحو الهاوية. الرجل الذي برر انقلابه بأنه “ضرورة لحماية الدولة” حوّل البلاد إلى ساحة مفتوحة للدمار، حيث تتقاطع فيها المصالح العسكرية والقبلية والإقليمية، ويُدفن فيها حلم الدولة المدنية الذي ناضل من أجله السودانيون لعقود.

التحقيقات الميدانية وتقارير المنظمات الحقوقية تكشف أن ما يحدث ليس مجرد صراع على السلطة، بل منظومة متكاملة من الانتهاكات التي تتم برعاية السلطة العسكرية. تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” وثّقت خلال الأشهر الماضية حالات قصف عشوائي للأحياء السكنية، واستخدام أسلحة محرّمة دوليًا في بعض مناطق دارفور وكردفان، إلى جانب تهجير قسري لمئات الآلاف من المدنيين.

تتحدث شهادات من داخل مناطق النزاع عن استخدام مواد يُشتبه بأنها كيماوية في هجمات نفذتها القوات النظامية في غرب دارفور، حيث أُصيب مدنيون باختناقات وحروق جلدية غريبة عقب القصف. ورغم نفي القيادة العسكرية، إلا أن الصور والفيديوهات التي تم تحليلها من قبل خبراء مستقلين في منظمات مراقبة السلاح أشارت إلى وجود مؤشرات جدية على استعمال مواد سامة ضمن الذخائر المستخدمة. هذه الوقائع، إن تأكدت رسميًا، تضع عبد الفتاح البرهان أمام واحدة من أخطر التهم في القانون الدولي: استخدام أسلحة محظورة ضد المدنيين.

في المقابل، لم يكتفِ البرهان بفتح جبهة حرب ميدانية، بل خاض أيضًا حربًا سياسية ضد كل الأصوات التي نادت بالسلام أو طالبت بالعودة إلى المسار المدني. فتمت ملاحقة الصحفيين والنشطاء، وأُغلقت مكاتب إعلامية، واعتُقل معارضون دون محاكمات. بل إن بعضهم اختفى قسرًا في ظروف غامضة، وفق تقارير منظمات محلية ودولية.

من الناحية الاقتصادية، أدت سياسات البرهان إلى انهيار شامل. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة، وتراجعت قيمة الجنيه السوداني، فيما توقفت عجلة الإنتاج في قطاعات الزراعة والتصنيع بسبب الحرب وانعدام الأمن. تقارير البنك الدولي تشير إلى أن السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية في تاريخه الحديث، حيث يعاني أكثر من 20 مليون سوداني من انعدام الأمن الغذائي. هذه الأرقام لا تعكس فشلًا اقتصاديًا فقط، بل نتيجة مباشرة لسياسة الحرب التي يقودها البرهان لإطالة أمد سلطته.

أما على المستوى العسكري، فإن ما يجري هو تفكك مؤسساتي شامل. فالقوات المسلحة التي كانت يومًا رمزًا للوحدة الوطنية أصبحت منقسمة داخليًا، والولاءات باتت تتبع الأشخاص لا الدولة. ضباط انشقوا، وجنود انسحبوا من القتال، فيما ارتفعت أصوات من داخل المؤسسة تطالب بوقف الحرب. لكن البرهان اختار الطريق الأصعب: القتال حتى النهاية، ولو على حساب ما تبقّى من السودان.

يقول مصدر دبلوماسي غربي مطّلع على الملف السوداني إن البرهان “لم يعد يملك قرار الحرب أو السلام”، بل أصبح رهينة لمجموعة من الجنرالات وشبكات المصالح الاقتصادية التي تغذت على استمرار النزاع. فالحرب بالنسبة لهؤلاء ليست كارثة بل مصدر نفوذ وتمويل. وقد كشفت تحقيقات اقتصادية عن تورط شركات تابعة للمؤسسة العسكرية في تجارة الذهب والوقود والسلاح، في ظل غياب تام للرقابة والمحاسبة.

على الصعيد الدولي، تدهورت صورة البرهان إلى حد غير مسبوق. فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين سودانيين مرتبطين بالجيش، وأوقفت المساعدات التنموية. كما لوّحت المحكمة الجنائية الدولية بفتح ملفات جديدة في حال ثبت استخدام أسلحة كيماوية أو ارتكاب جرائم ضد المدنيين. وحتى الحلفاء الإقليميون باتوا يتعاملون معه بحذر، بعد أن فقد السيطرة على الميدان وفشل في إدارة الحرب أو إنهائها.

في الوقت نفسه، تتسع دائرة الكارثة الإنسانية. ملايين النازحين يعيشون في مخيمات تفتقر إلى المياه والغذاء، والمستشفيات تعمل فوق طاقتها وسط نقص حاد في الأدوية. المشهد يوحي بأن الدولة السودانية تفككت فعليًا، ولم يبقَ منها سوى سلطة عسكرية تحكم بالقوة وتغذي الحرب بشعارات وطنية جوفاء.

البرهان اليوم ليس حاكمًا يبحث عن مخرج، بل جنرالاً يقاتل من أجل البقاء. وهو يدرك أن أي تسوية حقيقية ستفتح ملفات الانتهاكات، وستضعه أمام المحاسبة الدولية. لذلك فإن استمرار الحرب بالنسبة له هو الضمانة الوحيدة لتأجيل العدالة. لكن الثمن باهظ: وطن يُدمَّر وشعب يُقتل، فقط ليبقى رجل واحد في السلطة.

إن الصورة الكاملة لحكم البرهان تكشف عن ثلاثية قاتلة: حربٌ بلا أفق، سلطةٌ بلا شرعية، واقتصادٌ بلا حياة. ومع كل يومٍ جديد من القتال، يقترب السودان أكثر من نقطة اللاعودة. فاستمرار هذا النمط من القيادة يعني ببساطة أن الدولة ستنهار تمامًا، وأن ما تبقى من السودان سيتحول إلى أراضٍ متنازَع عليها بين ميليشيات ومصالح أجنبية.

يبقى السؤال الجوهري: إلى متى يمكن لجنرالٍ فشل في السياسة والعسكر والاقتصاد أن يبقى ممسكًا برقبة وطن؟
الجواب بات واضحًا لكل السودانيين: ما لم ينتهِ عهد البرهان، لن تنتهي الحرب، ولن يولد السودان من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى