الإسلاميون في عزلة متزايدة… البرهان يراجع حساباته

أصدر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قرارًا أمس، يلزم جميع القوات المساندة العاملة مع القوات المسلحة وتحمل السلاح لأحكام قانون القوات المسلحة.ءض
ووفق وكالة الأنباء الرسمية (سونا)، نصّ القرار على أن تكون كل قوات الحركات المتحالفة مع الجيش تحت إمرة قادة القوات المسلحة بمختلف المناطق. وأحال البرهان عددًا من كبار قادة الجيش إلى التقاعد، بينهم اثنان برتبة فريق، و(4) برتبة لواء.
ولم يصدر أيّ بيان حتى الآن من أيٍّ من الحركات المتحالفة مع الجيش، الذي تزامن مع حالة من التوتر بين قيادة الجيش وبعض الحركات، على خلفية التشكيلة الحكومية وبعض الوقائع والانسحابات من بعض المعارك القتالية.
وتقاتل مع الجيش حركات موقعة على “اتفاق جوبا”، من بينها حركتا جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، إضافة إلى كتيبة البراء بن مالك، الجناح المسلح لتنظيم الإخوان، وقوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل، ومجموعات تتبع لمالك عقار نائب البرهان في مجلس السيادة.
ووفقًا لمحمد نور، الضابط السابق في الجيش السوداني، فإنّ القرار ربما يكون مرتبطًا بالحاجة إلى توحيد القرار العملياتي. وأوضح نور لموقع (سكاي نيوز عربية): “ليست هناك تفاصيل كافية حول مسببات ودواعي القرار، لكن من المرجح أنّه يهدف إلى إنهاء حالة الانفلات الحالي”.
وأضاف نور: “ظهرت خلال الفترة الأخيرة انتهاكات كثيرة للقوات المشتركة أو المجموعات التي تقاتل بجانب الجيش، منها انتهاكات ضد المدنيين، لذلك ربما يهدف القرار إلى إلزام الحركات بقانون الجيش وقواعد الاشتباك في الحرب، وعدم الانسحاب غير المبرر”.
وفي ظاهرها، تهدف هذه الخطوة إلى ضبط وتنظيم العلاقة بين الجيش والتشكيلات القتالية التي وقفت معه خلال الحرب المستمرة منذ نيسان (أبريل) 2023 ضد قوات الدعم السريع. لكن في عمقها تطرح هذه الخطوة تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت محاولة لمنح هذه الجماعات المسلحة غطاءً قانونيًا ومؤسسيًا، بل مكافأة لها على الدور الذي لعبته في الصراع، رغم ما يحيط بها من اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.
وتشير تقارير ميدانية إلى أنّ بعض هذه القوات ـ مثل “فيلق البراء بن مالك” الإخواني، و”المقاومة الشعبية”، و”قوات درع السودان” ـ تتبنّى أفكارًا إسلامية متشددة، وتعمل خارج الأطر النظامية التقليدية. وقد وردت في حقها مزاعم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد المدنيين في مناطق متعددة، وهو ما يجعل قرار إخضاعها لقانون الجيش محل ريبة، إذ يرى بعض المراقبين أنّه بمثابة “غسل قانوني” لتاريخ حافل بالتجاوزات، بدلًا من إخضاع تلك المجموعات للمحاسبة والمساءلة، وفق (ميديل إيست أون لاين).
وإنّ دمج القوات المساندة دون عملية تحقيق شاملة في خلفياتها وانتهاكاتها المحتملة، قد يضع الجيش السوداني أمام أزمة شرعية، داخليًا وخارجيًا. فبعض هذه التشكيلات متهمة بممارسات طائفية وعنصرية، والتورط في عمليات انتقامية ضد المدنيين على أساس مناطقي أو إثني، وهو ما يمكن أن يقوّض أيّ جهود لاحقة لتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
ويرى محللون أنّ إدماج هذه الجماعات المسلحة، من دون إخضاعها لبرامج إصلاح وتأهيل حقيقية، يمكن أن يعزز من ظاهرة عسكرة الدولة، ويحوّل السودان إلى دولة تسودها مراكز قوى مسلحة متعددة تحت عباءة الجيش، دون وحدة عقيدة أو انضباط مؤسسي. كما يُنذر ذلك بترسيخ الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية نفسها، خاصة إذا تمّ دمج قوات على أسس جهوية أو عقائدية.
