تحقيقات

اجتماع أديس أبابا.. تقيم قدرة القوى المدنية على وقف الحرب في السودان


ينظر محللون إلى اجتماعات قوى سياسية سودانية في أديس أبابا على أنها اختبار لقوتها وقدرتها على فرض وقف الحرب وإنهاء الفراغ السياسي في البلاد.

والسبت انطلق في فندق “ريدسون بلو” بأديس أبابا الاجتماع التحضيري للجبهة المدنية لوقف الحرب واستعادة الديمقراطية في السودان، ويستمر حتى الثلاثاء، بمشاركة قوى سياسية وحركات مسلحة وأجسام مهنية ونقابية عديدة.

ويحضر الاجتماع رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وهو ما يوحي بأن هدفه الرئيسي تمكين القوى المدنية من العودة إلى السلطة من قاعدة التوافق التي أرسيت عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وشهد فيها المجتمع السوداني بأطياف متعددة درجة عالية من التفاهم، بدأت تنهار عندما تغلبت الحسابات الشخصية على الشواغل الوطنية، وهو ما استفادت منه المؤسسة العسكرية في تقوية شوكتها السياسية.

وتريد القوى المنخرطة في اجتماعات أديس أبابا تبني سردية مدنية سياسية خالصة، لا مكان فيها للجيش أو قوات الدعم السريع. وإن لم تستطع إبعاد قوى محسوبة على أحد الطرفين، فإنها حددت الخطوط العامة التي يتم التباحث حولها لقطع الطريق على أيّ تأويل يصب في صالح أحدهما.

واستغرق التحضير للاجتماع التحضيري وقتا، حيث بدأ التفكير فيه عقب مرور أيام قليلة على اندلاع الصراع في منتصف أبريل الماضي عبر تحركات متباينة قامت بها عدة قوى وشخصيات للوصول إلى نقطة مركزية يمكن التلاقي حولها بعد أن تصاعدت أصوات سودانية كثيرة حمّلت القوى المدنية مسؤولية اندلاع الحرب الراهنة بسبب خلافاتها السياسية.

وتلقى تحالف قوى الحرية والتغيير، بشقيه المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، وابلا من الانتقادات التي نفى أغلبها، لكنّ قياديين نافذين سعوا إلى تصحيح الأوضاع داخل التحالف، لأن الحرب أكدت قصر نظر بعضهم في التعامل مع مؤشرات الأزمة مبكرا.

والتأم الاجتماع تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيغاد)، ما يفيد بعودة دورهما النشط السابق بعد مشاركتهما في ترتيب أوضاع المرحلة الانتقالية، التي حملت ثغرات وسَّعت الفجوة بين القوى المدنية والمؤسسة العسكرية، ولذلك فأحد أهم أهداف الاجتماع توحيد الرؤى على قاعدة وطنية.

ويقول مراقبون إن هناك فرصة حقيقية لإعادة رسم خارطة سياسية داخلية، يمكنها أن تضع حدا لحرب قد تطول، ولا أحد يعلم المدى الذي يمكن أن تصل إليه، حيث اتسع نطاق المعارك بين الفريقين المتصارعين، وقد يصل خلال الفترة المقبلة إلى أقاليم بدت هادئة نسبيا.

ويضيف المراقبون أن تحرك القوى المدنية مطلوب مع غياب الحرب في السودان عن أجندة المجتمع الدولي وتصاعد الحرب على غزة ، كما أن عدم اشتباك القوى العاقلة في السودان مع الأزمة قد يفتح الأبواب لسيناريوهات أشد قتامة في ظل التوازنات الهشة التي تمر بها الحرب.

ii

ويعد الاجتماع تمهيديا بغرض الترتيب لآخر جامع تحدده اللجنة التحضيرية بمشاركة كل قطاعات المجتمع السوداني الحريصة على وقف الحرب واستعادة الديمقراطية بعد اتصالات جرت مؤخرا مع قوى سياسية وحركات المسلحة .

وأبرز المشاركين في اللقاء هم: قوى الحرية والتغيير، والجبهة الثورية برئاسة الهادي إدريس، وحركة العدل والمساواة برئاسة سليمان صندل، والحزب الجمهوري، وتحالف القوى السياسية والمدنية في شرق السودان.

هذا فضلا عن قوى سياسية من شرق السودان، ومؤيدي مبادرات سلام تكونت من المجتمع المدني في كردفان ودارفور، وبعض تنسيقيات لجان المقاومة، ومجموعات مهنية متباينة، وعدد من الشخصيات المؤيدة للديمقراطية ولها حضور في الفضاء العام.

ومن أهم القضايا المطروحة للنقاش تحديد الرؤية السياسية لإنهاء الحرب وشكل العملية السياسية التي تقود إلى تسلم المجتمع المدني للسلطة، وكيفية بناء مؤسسات وخطاب إعلامي مناهض للحرب ومساند للتحول الديمقراطي، وقضايا إنسانية، وآليات قيام المؤتمر العام للجبهة المدنية، وآليات العمل التنسيقي بين مكونات الاجتماع التحضيري حتى موعد انعقاد المؤتمر العام.

وقال المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس إن “الاجتماعات تتوالى للإعلان عن ميثاق الجبهة المدنية العريضة، وهدفها إيقاف الحرب وتشكيل حكومة مدنية أو ما يمكن تسميته بـ’حكومة طوارئ’ تعمل على إيصال المساعدات إلى الشعب السوداني وترتيب الأوضاع الأمنية والاقتصادية وإصلاح ما دمرته الحرب والإعداد للانتخابات المقبلة”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “تشكيل الجبهة يتجاوز مخرجات الاتفاق الإطاري الذي قاد إلى تفجر الخلاف بين الجيش والدعم السريع. والقوى المجتمعة في أديس أبابا مقتنعة بأن الحرب أضحت مهددا وجوديا لكيان الدولة السودانية، وأن هناك سيناريوهات مفزعة حال استمرت لأمد طويل”.

وأشار إلى أن الجبهة سوف تعتمد على ما يتم التوصل إليه عبر منبر جدة، ومن هنا يتم التأسيس لوضع جديد في السودان، لافتا إلى أن التحالف الواسع فرضته الحرب، ولا يحمل خطابا سياسيا حادا كي لا يقود إلى التشرذم من جديد، لكنه دعوة للسودانيين إلى التوحد والالتفاف حول برنامج، أولوياته وقف الحرب وتشكيل حكومة طوارئ.

وذكر إلياس أن حضور حمدوك يبرهن على تجاوز الكثير من الخلافات بين القوى السياسية، بما فيها قوى الحرية والتغيير التي كانت على خلاف معه بعد أن وقع اتفاقا مع المكون العسكري عقب الانقلاب على السلطة في أكتوبر 2021، متوقعا انضمام العديد من القوى السياسية إلى الجبهة خلال الأيام المقبلة، ما يكثف الضغط لوقف الحرب.

وكاد الخلاف حول الموقف من حزب المؤتمر الوطني (المنحل) يفجر مؤتمر أديس أبابا قبل بدايته، فهناك قوى مؤيدة لمشاركته وأخرى رافضة بقوة، وثالثة تحاول التفرقة بينه وبين الحركة الإسلامية التي ظهرت بصماتها في الحرب الحالية، ولا يزال الموقف منه متذبذبا، فقد يعود إلى المشاركة في مرحلة لاحقة.

وأوضح حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه القيادي الإسلامي الراحل حسن الترابي، عدم مشاركته عبر ممثلين له، لكنه أكد تأييده للخطوة، وأنه على اتصال مع قوى الحرية والتغيير لبناء جبهة مدنية توقف الحرب وتعيد الديمقراطية.

ولفت الحزب الشيوعي في بيان له السبت إلى أن الدعوة إلى وحدة القوى المدنية وتكوين الجبهة الجماهيرية العريضة لن يكتب لها النجاح ما لم تقف على التجارب السابقة وتنقدها للاستفادة من إيجابياتها ومعالجة سلبياتها. وأعلن حزب البعث العربي الاشتراكي رفضه المشاركة في اجتماعات أديس أبابا، ووصفها بأنها ستكون “رهينة لإملاءات خارجية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى